باتجاه تطوير شامل لقضية الرسوم الحكومية

باتجاه تطوير شامل لقضية الرسوم الحكومية

فتح التوجيه الرئاسي المتعلق بتخفيف عبء الرسوم الحكومية على المستثمرين (والمواطنين) وتوحيد جهة تحصيلها، وإحلال نسبة ضريبية من صافى الربح بدلاً من الرسوم الحالية، باباً واسعاً من ردود الفعل الإيجابية، بعد انتظار طويل لمعالجة التوسع المذهل للجهات الحكومية في فرض رسوم بلا مبرر أو قانون.

وإذا كان التوجيه الرئاسي بطبيعته يحدد المسار السياسي العام لهذا الملف، فإنه يتوجب على الجهات المعنية بتنفيذ التوجيه مراعاة عدة اعتبارات لضمان ترجمة دقيقة للأهداف المشار إليها من قبل الرئاسة.

١- إن الاضطرابات المتعلقة بفرض رسوم من جهات متعددة بمبالغ كبيرة قد تكون غير مبررة وبطرق سداد مرهقة، تعكس اختلالات أوسع في أداء وهيكل ونظم البيروقراطية.

٢- ينبغي عند حساب قيمة الرسوم الحالية لتحويلها إلى نسبة ضريبية، استبعاد الرسوم غير القانونية، مثل فرض جهات معينة رسومًا مرتفعة على خدمات مميزة أو عاجلة دون أي سند قانوني.

٣- إن تحويل الضرائب التي كانت تُفرض قانونًا كرسوم، مثل المساهمة التكافلية للتأمين الصحي أو المدفوع القانوني لصندوق التدريب، إلى ضرائب مباشرة يعتبر مبدأً لا غبار عليه، لكنه قد يتعين أن يخدم الخزانة العامة دون اطلاقًا حل مشاكل المستثمرين.

٤- وفقًا لقانون المالية العامة، وغير مسموح بتخصيص إيراد لتمويل مصروفات معينة، وبالتالي لا يمكن استخدام الأموال المحصلة من الضرائب لإعادة توجيهها إلى الجهات التي كانت تتلقى الرسوم، إذ أن ذلك يعد مخالفة صريحة لأصول المالية العامة. وقد اقترح بعض المسؤولين سابقًا توجيه جزء من الضرائب المجمعة إلى تلك الجهات، لكن توجيه الرئيس أسقط هذا الاقتراح بشكل صحيح.

٥- يمكن تسريع دراسة المركز المصري للدراسات الاقتصادية حول الرسوم بالتعاون مع هيئة المعونة الأمريكية، والاستفادة من التفاصيل الناتجة لتحضير تصور شامل للمعالجة، ما لم تملك الحكومة بيانات كافية.

٦- يجب مراعاة أن تحويل الرسوم إلى ضرائب قد يُلحق الضرر بأطراف كانت تدفع رسومًا محدودة. على سبيل المثال، قد يدفع مستورد سلع غذائية رسومًا مرتفعة لمجموعة من الجهات المعنية، بينما قد يدفع مستورد سلع أخرى رسومًا أقل، ومع الضرائب سيتم فرض نفس النسبة على الجميع.

٧- سيكون من المفيد الاستفادة من خبرات صندوق النقد الدولي، ومقارنة الرسوم في مصر مع الدول المماثلة، لنشر هذه المعلومات بين قيادات الأجهزة الإدارية والهيئات حتى يعرف الجميع مواقعنا، ولتحقيق هدف زيادة جاذبية الاستثمار في مصر من خلال تخفيف الأعباء بشكل سليم. وقد ذكر وزير الاستثمار أن رسوم الإفراج في مصر تعادل عشرة أمثال تلك الموجودة في المغرب. لذا يتوجب علينا خفضها إلى المعدلات الطبيعية أولاً ومن ثم إدراجها في حساب نسبة الضريبة البديلة المستندة إلى صافى الربح.

٨- تنقسم مشكلة الرسوم إلى ثلاثة جوانب: أولها الأساس القانوني لفرضها، وثانيها قيمتها ومنطق فرض هذه القيمة، وثالثاً طرق تحصيلها.

لكل نقطة يجب أن تكون هناك خطة للتعامل معها:

أ. بالنظر إلى الأساس والمشروعية، أقترح أن تتضمن أي قسيمة دفع رسوم، سواء كانت ورقية أو إلكترونية، الأساس القانوني المنظم، سواء كان قانونًا أو لائحة أو قرارًا من مجلس الوزراء أو قرارًا وزاريًا أو قرار محافظ أو رئيس كيان.

ب. وفيما يتعلق بتحديد القيمة، يجب البدء بنقطة واضحة لا تقبل الجدل، وهي أنه لا يمكن أن تكون قيمة الرسم نسبة من أصل، على سبيل المثال، من قيمة كونتينر بضائع، لأن الرسوم بهذا الشكل لا تعكس تكلفة أي خدمة، حيث أن كل خدمة لها تكلفة واضحة غير مرتبطة بحجم الشحنة. على سبيل المثال: لماذا يدفع مستورد واحد بالألف لوزارة الزراعة للحصول على الموافقة الاستيرادية لأي شحنة غذائية، رغم أن الموافقة هي نفس الوثيقة وتتم بنفس الدورة الإنتاجية لجميع الشحنات؟

يجب إلغاء هذا الأمر أولاً، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتصويبه، وبذلك ستحصل نتائج إيجابية لكل من الجهات الإدارية والمستورد أو المستثمر، الذين سيرون في ذلك بداية عقلانية للأداء.

ج. فيما يتعلق بتعقيدات التحصيل، فإن الحالة الحالية للرسوم تعكس حالة من الاتفاق غير المكتوب تفيد بأن الجميع يعلم أن الرواتب ضعيفة والميزانيات غير كافية، وعليه يجب أن يتصرف كل طرف بمفرده.

لذلك، يجب طمأنة الموظفين بأن النظام الجديد للرسوم لن يؤثر سلبًا على دخولهم أو آليات عملهم، مع تعزيز استخدام الرقمنة لجعل محصل الرسوم جهة ليست هي التي تقرها، ويفضل أن تكون جهة التحصيل واحدة وإلكترونية، كما تم توجيه الرئيس.

٩- يُفترض أن البديل الضريبي المقترح سيقضي على الرسوم… لكن بالتأكيد، ستسعى الجهات المعنية فيما بعد لفرض أي نوع من التكاليف على المتعاملين، وتعتبر أن الزيادة التي تأتيها من الخزانة العامة حق طبيعي.

مع الأخذ في الاعتبار أن عبء الضرائب على الملتزمين في مصر مرتفع، حيث أشار الدكتور أحمد كجوك إلى أن الممول يدفع ٣٠٪ فوق ما هو محدد بعد الفحص، مما يعني أن الضريبة الأساسية التي تبلغ ٢٢.٥٪ تصل بالفعل إلى نحو ٣٠٪، كما أن معدل الاستثمار متراجع حاليًا، مما يجعل من غير الملائم تعميق هذا التراجع من خلال فرض ضرائب إضافية.

١٠- إن حوكمة الرسوم القانونية أمر ضروري… فالـ ١٪ من الأرباح المخصصة لصندوق التدريب (في قانون العمل)، والتي تُدفع بغض النظر عن المصروفات على تدريب العاملين، يتطلب تساؤلات حول صرف أموال هذا الصندوق، وما يشابه ذلك. وكذلك أهمية الإفصاح عن قوائمه المالية وعائدات استثمار أمواله، والمكافآت المستحقة لأعضائه… وفي النهاية، لا أعرف كيف سيتم التعامل مع رسوم معونة الشتاء وطوابع الشرطة والنقابات مثل المحامين، وغيرها، كونها في الغالب رسوم مُتراكمة تحتاج إلى معالجة منفصلة.

قد يهمك أيضاً :-