حقول القمح تستنزف المياه الجوفية.. صحراء العراق تترقب المجهول (صور)

حقول القمح تستنزف المياه الجوفية.. صحراء العراق تترقب المجهول (صور)

بينما تضرب عاصفة رملية حقول الحنطة في صحراء النجف جنوب العراق، التي تعتمد على المياه الجوفية في ريّها، يعبر الخبراء عن قلقهم من تزايد حفر الآبار وما قد ينتج عنه من استنزاف مفرط للمخزون المائي، في بلد يتعرض لموجات جفاف متكررة.

يعتمد الفلاحون في هذه الحقول، البعيدة عن نهرَي الفرات ودجلة، على أنظمة ريّ حديثة تعمل بالرشّ وتقليل هدر المياه بما يصل إلى 50%، وانتشرت هذه الأنظمة بين مزارعي العراق في السنوات الأخيرة.

في بلد يشهد تراجعًا في سقوط الأمطار وتدفق الأنهار التي لطالما كانت تُشغّل طواحين المياه وقنواتها لريّ الأراضي، باتت السلطات تعوّل على المياه الجوفية. وتعتبر الأمم المتحدة أن العراق، حيث يقيم اليوم أكثر من 46 مليون شخص، هو من الدول الخمس الأكثر تأثرا ببعض جوانب التغير المناخي.

في الماضي، كان يُستخدم مياه الأمطار في الزراعة، وكانت الأرض تُنتج وفرة من الحنطة. لكن “ازدياد الجفاف سنة بعد أخرى” و”التصحّر القوي” دفعا بعض المزارعين إلى استخدام تقنيات ري حديثة تدعم الحكومة العراقية أسعارها لضمان الأمن الغذائي.

يعتقد بعض المزارعين في العراق أنه من المستحيل الاستمرار دون المياه الجوفية، وأن نضوبها يعني العودة إلى العصور القديمة والاعتماد على السقي بمياه الأمطار.

عند النظر إلى الحقول من الجو، تبدو كدوائر خضراء في وسط الصحراء، حيث تتحرك هياكل حديدية ذات عجلات ومرشّات لريّ الزرع. ويحل موسم الحصاد عادة مع تحولها إلى اللون الذهبي في مايو/أيار.

وفقًا لوزارة الزراعة العراقية، تمت زراعة 3.1 مليون دونم من الأراضي في العراق هذا الشتاء، معتمدين “على أنظمة الري الحديثة باستخدام المياه الجوفية”، مقابل “مليونَي دونم تعتمد على الريّ السطحي”.

كما بدأت تقنيات الري الحديثة تُستخدم في صحراء النجف منذ أكثر من عقد.

تدعم الحكومة العراقية أسعار أنظمة الري بالرش، وتقسيطها على عشرة أعوام، كما تؤجر الأراضي للمزارعين وتشتري محاصيلهم بأسعار تفضيلية.

تحقّق زراعة الحنطة في الصحراء، التي نجحت بفضل أسمدة مخصصة وبذور أكثر مقاومة للظروف المناخية، “غلّة أكبر من تلك التي تحققها الأراضي الطينية”، بحسب مدير زراعة محافظة النجف منعم شهيد.

يقول شهيد لوكالة فرانس برس إن ذلك يوفر “مردودًا اقتصاديًا كبيرًا للفلّاح والدولة”، التي أعلنت العام الماضي تحقيق اكتفائها الذاتي بإنتاج 6 ملايين و400 ألف طنّ من هذا المحصول “الاستراتيجي”.

يُتوقع أن تنتج في هذا الموسم الحقول المروية بمياه الأنهار نحو 1.3 طنّ من القمح للدونم الواحد، مقابل “1.7 طنّ كحدّ أدنى” للدونم في الأراضي الصحراوية.

عادت زراعة الحنطة في النجف في موسم 2023-2024 بأرباح أكبر بثماني مرات مما حققه الموسم السابق، وفق قوله.

ومع ذلك، ينبه شهيد إلى ضرورة “الحفاظ على كمية المياه الجوفية ورشد استخدامها”، مشيرًا إلى أن السلطات “ستشدد الإجراءات لكي يكون حفر الآبار مجازًا ومسيطرًا عليه بكمياته للاستخدامات الزراعية فقط”.

في مارس/آذار، أكد المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي لوكالة الأنباء العراقية أن السلطات تعمل على “تحديد الآليات التي يتم بموجبها السماح بحفر الآبار في المناطق الصحراوية بحسب وفرة المياه الجوفية لضمان عدم هدرها”.

في أعماق الصحراء الغربية بالعراق، الممتدة حتى الحدود مع السعودية والكويت، يوجد خزّان الدمام وأم الرضمة الجوفيان، الذين يُعتبران من منابع المياه الرئيسية في المنطقة ويتشاركهما العراق مع السعودية والكويت.

تُشير الأمم المتحدة منذ 2013 إلى أن مخزون المياه الجوفية في هذين الخزانين بدأ ينضب.

يقول الخبير العراقي في سياسات المياه والأمن المناخي سامح المقدادي لوكالة فرانس برس: “في الماضي، كان يمكننا الوصول إلى المياه الجوفية بحفر عمق 50 مترًا، أما الآن فيجب الحفر ربما حتى عمق 300 متر”.

يشير إلى أن “الناس يحفرون الآبار ويعتقدون أن هذه الموارد أبدية، لكن هذا غير صحيح علميا”.

تزداد الأمور سوءًا في ظل غياب تقديرات رسمية حديثة لكمية المياه الجوفية المتاحة في العراق، الذي تغطي الصحارى 40% من مساحته، إذ تعود التقديرات الأخيرة إلى السبعينيات.

يضيف المقدادي: “لا يمكننا إدارة مورد لا نستطيع قياسه”، عازيًا غياب التقديرات إلى نقص التقنيات اللازمة “لإجراء مسح جيولوجي دقيق” وغياب “الإرادة السياسية” في ظل “سوء التنسيق بين مختلف السلطات”، مما يؤدي إلى “غياب التوعية”.

يؤكد على ضرورة “استخدام المياه الجوفية فقط في الحالات الطارئة مثل مواسم الجفاف وليس للتوسع التجاري للأراضي الزراعية”، محذرا من أن “اعتبار المياه الجوفية بديلًا للموارد المائية الأخرى” يعني “كارثة للمستقبل”.

aXA6IDJhMTM6YWRjMDo6YWYxOmVhZmY6ZmVmNjoyYjUyIA==

جزيرة ام اند امز

EE

قد يهمك أيضاً :-