رئيس أمريكا أولاً يقلب النظام العالمي في 100 يوم فقط

رئيس أمريكا أولاً يقلب النظام العالمي في 100 يوم فقط

.

في الأيام المئة الأولى من عودته إلى البيت الأبيض، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حربًا جمركية غير مسبوقة، حيث خفّض المساعدات الخارجية الأمريكية وأتخذ إجراءات غير متوقعة، مما أدى إلى تغيير أجزاء من النظام العالمي القائم على القواعد الذي ساهمت واشنطن في إنشائه بعد الحرب العالمية الثانية.

سياسة أمريكا أولاً

أثّر جدول أعمال ترامب، القائم على سياسة (أمريكا أولاً)، خلال ولايته الثانية على علاقاته مع الأصدقاء، كما منح الجرأة للخصوم، مما أثار تساؤلات حول مدى استعداده للذهاب بعيدًا في سياسته، وقد أثارت أفعاله، إلى جانب هذا الغموض، قلق بعض الحكومات لدرجة أنها بدأت تتخذ ردود فعل قد يصعب التراجع عنها حتى لو انتُخب رئيس أمريكي أكثر تقليدية في عام 2028، حيث قال دينيس روس، المفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط: «ما نشهده هو اضطراب هائل في الشؤون العالمية، ولا أحد يعلم كيف يكوّن رأيًا حيال ما يحدث أو ما سيأتي لاحقًا»
على الرغم من الأضرار التي وقعت، يعتقد كثيرون أن الوضع قد لا يكون مستحيلًا إصلاحه إذا خفف ترامب من سياسته، حيث تراجع الرئيس بالفعل عن بعض القضايا، بما في ذلك توقيت وقدر الرسوم الجمركية، لكن الفرص لتحول جذري تبدو ضئيلة، ويتوقع الكثيرون أن تقوم دول عديدة بإجراء تغييرات دائمة في علاقاتها مع الولايات المتحدة لحماية نفسها من سياساته المرتبكة، وقد بدأت التداعيات بالفعل.
على سبيل المثال، يسعى بعض الحلفاء الأوروبيين لتعزيز صناعاتهم الدفاعية لتقليل الاعتماد على الأسلحة الأمريكية، بينما احتدم الجدل في كوريا الجنوبية حول تطوير ترسانتها النووية، وتزايدت التكهنات بأن تدهور العلاقات قد يدفع شركاء الولايات المتحدة إلى التقارب مع الصين، على الأقل من الناحية الاقتصادية.
ومع ذلك، يرفض البيت الأبيض فكرة أن ترامب أضر بمصداقية الولايات المتحدة، مشيرًا إلى الحاجة إلى تصحيح آثار ما وصفه بـ«القيادة المتهورة» للرئيس السابق جو بايدن، حيث قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض برايان هيوز: «يتخذ الرئيس ترامب إجراءات سريعة لمعالجة التحديات من خلال جلب أوكرانيا وروسيا إلى طاولة المفاوضات لإنهاء حربهما، ووقف تدفق الفنتانيل، وحماية العاملين الأمريكيين من خلال محاسبة الصين، ودفع إيران إلى طاولة المفاوضات من خلال إعادة العمل بسياسة أقصى الضغوط»
وبحسب استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس، فإن أكثر من نصف الأمريكيين، بما في ذلك واحد من كل أربعة جمهوريين، يعتقدون أن ترامب «متحالف بشكل وثيق بشدة» مع روسيا، كما أن الجمهور الأمريكي ليس لديه رغبة كبيرة في الأجندة التوسعية التي وضعها.

مخاطر كبيرة

يقول الخبراء إن مستقبل النظام العالمي، الذي تبلور على مدى العقود الثمانية الماضية تحت هيمنة الولايات المتحدة، أصبح على المحك، حيث كان هذا النظام قائمًا على التجارة الحرة وسيادة القانون واحترام السلامة الإقليمية، لكن في عهد ترامب، الذي يحتقر المنظمات متعددة الأطراف، يتعرض النظام العالمي لاهتزازات قوية.
واتهم ترامب شركاءه التجاريين بـ«نهب» الولايات المتحدة على مدار عقود، وبدأ في تطبيق سياسة رسوم جمركية شاملة أدت إلى اضطراب الأسواق المالية، وإضعاف الدولار، وإثارة تحذيرات من تباطؤ الناتج الاقتصادي العالمي وزيادة خطر الركود، ويصف ترامب الرسوم الجمركية بأنها «دواء» ضروري، لكن أهدافه لا تزال غير واضحة، حتى مع عمل إدارته على التفاوض على اتفاقات منفصلة مع عشرات الدول.
في الوقت نفسه، خالف ترامب السياسة الأمريكية تجاه الحرب الروسية المستمرة منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا، حيث دخل في جدال حاد مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مما أثار مخاوف من أنه سيجبر كييف، المدعومة من حلف شمال الأطلسي، على قبول خسارة أراضيها، بينما يُعطي الأولوية لتحسين العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

الموقف من أوروبا

أثارت استخفاف الإدارة بأوروبا وحلف شمال الأطلسي قلقًا بالغًا، حيث كانا لفترة طويلة الركيزة الأساسية للأمن عبر الأطلسي، لكن ترامب ومساعديه يتهمونهما باستغلال الولايات المتحدة، حيث عبّر المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن قلقه بشأن العلاقات الأوروبية مع الولايات المتحدة، محذرًا من أن الوضع سيصبح صعبًا إذا تم تحويل شعار «أمريكا أولاً» إلى «أمريكا وحدها»، مضيفًا أن هذا يمثل فترة ما قبل وقوع الكارثة بالنسبة لأوروبا.
وفي ضربة أخرى لصورة واشنطن العالمية، يستخدم ترامب خطابًا توسعيًا تجنبه الرؤساء المعاصرون، وهو ما قد تستخدمه الصين كمبرر إذا قررت غزو تايوان، بأسلوبه الصاخب، يصر ترامب على أن الولايات المتحدة «ستحصل» على غرينلاند، ويثير غضب كندا بحديثه عن عدم مبرر وجودها، ويهدد بالاستيلاء على قناة بنما، ويقترح أن تسيطر واشنطن على غزة، وتحويل القطاع الفلسطيني إلى منتجع على طراز الريفييرا.
يقول بعض المحللين إن ترامب يسعى إلى إحياء هيكل عالمي على غرار الحرب الباردة، حيث تقسم القوى الكبرى مناطق النفوذ الجغرافية، لكنه لم يقدم تفاصيل حول كيفية الاستحواذ على المزيد من الأراضي، ويشير بعض الخبراء إلى أنه قد يتخذ مواقف متطرفة كأدوات للمساومة، لكن بعض البلدان تأخذه على محمل الجد.
وقالت رئيسة وزراء الدنمارك مته فريدريكسن: «عندما تطالبون بالاستيلاء على جزء من أراضي مملكة الدنمارك، ماذا يمكننا أن نصدقه بشأن هذا البلد الذي نعجب به منذ سنوات طويلة؟»، مضيفة أن الأمر يتعلق بالنظام العالمي الذي بنيناه معًا عبر الأطلسي.

التعامل مع ترامب في ولايته الثانية

بدأت حكومات أخرى أيضًا في إعادة صياغة سياستها، حيث أعد الاتحاد الأوروبي مجموعة من الرسوم الجمركية المضادة لفرضها إذا فشلت المفاوضات، كما تبحث بعض الدول مثل ألمانيا وفرنسا إنفاق المزيد على جيوشها، وهو ما طالب به ترامب، مما يعني أيضًا الاستثمار بشكل أكبر في صناعاتها الدفاعية وشراء أسلحة أقل من الولايات المتحدة.
وفي ظل توتر العلاقات التاريخية مع الولايات المتحدة، تسعى كندا إلى تعزيز روابطها الاقتصادية والأمنية مع أوروبا، ويأتي ذلك على خلفية الانتخابات الوطنية الكندية المقررة، حيث يسود استياء الناخبين من تصرفات ترامب، بينما أبدت كوريا الجنوبية انزعاجها أيضًا من سياسات ترامب، لكن سيؤول تعهدت بمحاولة العمل مع الرئيس الأمريكي للحفاظ على التحالف الذي تعتبره مهمًا في مواجهة تهديد كوريا الشمالية.
تشعر اليابان، حليفة الولايات المتحدة، أيضًا بالقلق، حيث فوجئت بحجم رسوم ترامب الجمركية، مما دفعها للسعي للرد، والسؤال الرئيسي هنا هو هل ستحمي بعض الحكومات نفسها بهدوء من الرهانات الخاسرة من خلال إقامة علاقات تجارية أوثق مع الصين، الهدف الأول لرسوم ترامب الجمركية؟
في أوائل إبريل، التقى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيث مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث تسعى بكين لملء الفراغ الذي خلفته قرارات ترامب بتخفيض حجم المساعدات الإنسانية، حيث قال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم: «لم يتجاوز الأمر بعد نقطة اللاعودة، لكن حجم الضرر الذي يلحق بعلاقاتنا مع أصدقائنا، ومدى استفادة الخصوم منه، أمر لا يمكن حصره».

قد يهمك أيضاً :-