الصراعات الطائفية تشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل الدولة السورية الجديدة

الصراعات الطائفية تشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل الدولة السورية الجديدة

.

إعداد: محمد كمال
 .

بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد، شهدت سوريا موجات متكررة من العنف الطائفي، مما أثار مخاوف بين الأقليات، لكن الإدارة الجديدة عملت على تبديد هذه المخاوف من خلال إرسال رسائل طمأنة، حيث كشفت عن مفاوضات جادة تهدف إلى دمج الجماعات المسلحة المتنوعة في الأجهزة الأمنية السورية.

أزمة جرمانا وصحنايا

بينما تجري الفصائل الدرزية المسلحة محادثات مع الحكومة حول شروط اندماجها في الجيش السوري، وقعت اشتباكات دامية مع عناصر أمنية حكومية في محيط دمشق، أسفرت عن سقوط ضحايا من الجانبين، حيث أثار الدروز مخاوفهم من هجمات مسلحة قد تستهدفهم.

امتدت المعارك إلى أشرفية صحنايا، البلدة ذات الأغلبية الدرزية الواقعة جنوب دمشق، حيث هاجم مسلحون نقاط تفتيش ومركبات تابعة للقوات الحكومية، وذلك بعد اشتباكات سابقة في جرمانا، التي تُعتبر مركزاً لعدد كبير من الدروز.

اندلعت الاشتباكات بعد تداول مقطع صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي يُعتقد أنه لرجل دين درزي، حيث هاجم فيه معتقدات دينية، لكن هذه الاتهامات كانت غير صحيحة، وبعد نفي رجل الدين للتهمة، أكدت وزارة الداخلية السورية أن التحقيقات الأولية أظهرت أنه ليس الشخص الذي ظهر في المقطع، ومع ذلك لم تنجح دعوات التهدئة، إذ اندلعت احتجاجات طائفية في عدة مدن.

بعد أحداث العنف في جرمانا، اجتمع مسؤولون سوريون مع شخصيات دينية درزية ووجهاء محليين في محاولة لإعادة الهدوء، وتم الاتفاق على محاسبة المتورطين في الهجوم، ورغم أن الهدوء عاد إلى جرمانا، إلا أن بعض السكان فروا خوفاً من الفوضى والهجمات المحتملة.

كما أشار الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، أكبر تجمع سياسي درزي في لبنان، إلى أن الزعيم السابق وليد جنبلاط اتصل بالقيادة السياسية في دمشق ومسؤولين دوليين، وأكد أنه تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ.

الهجوم الإسرائيلي

دخلت إسرائيل في الصراع بشكل مباشر، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي عن تنفيذ ضربة جوية زعم أنها تحذيرية لمجموعات مسلحة كانت تستعد لمهاجمة الدروز على مشارف دمشق، وتتمتع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعلاقات مع الطائفة الدرزية في إسرائيل، وقد عرضت حمايتهم في سوريا حال تعرضهم لهجوم، لكن العديد من الدروز السوريين رفضوا أي عرض إسرائيلي.

عنف الساحل السوري

في الشهر الماضي، اندلعت موجة من العنف الطائفي في المنطقة الساحلية السورية، موطن العلويين، الأقلية التي تنتمي إليها عائلة الرئيس السابق بشار الأسد، حيث تصاعد العنف بعد هجوم منسق على قوات الحكومة الجديدة، مما أدى إلى دخول آلاف من القوات الأمنية إلى المنطقة الساحلية، في هجوم خلف حوالي 1600 قتيل، معظمهم من العلويين، في غضون أيام قليلة.

معقل الأقلية العلوية في سوريا يمتد على ساحل جبلي يبلغ 110 أميال، بين لبنان وتركيا، وتقع مدينة بانياس، التي يسكنها حوالي 40 ألف نسمة، في مركزه، حيث يسكن الجنوب غالبية مسلمة، بينما الأحياء الشمالية ذات أغلبية علوية، ورغم أن بعض العلويين في بانياس خدموا في جيش نظام الأسد، إلا أن الكثيرين منهم حُرموا من حقوقهم بحسب السكان.

الأكراد والكيان الفيدرالي

في الشمال السوري، بينما تتردد أنباء عن مسعى الأكراد لإقامة كيان فيدرالي، فقد رفضت الإدارة الجديدة وثيقة أصدرتها القوى السياسية الكردية في سوريا، والتي تضمنت دعوة إلى اعتماد نظام اللامركزية، حيث فسر بعض المراقبين هذه المطالب على أنها محاولة لخلق كيان شبه مستقل، مما أثار مخاوف من حدوث قلاقل مجدداً بعد حالة التفاؤل التي سادت إثر توقيع اتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي في 10 مارس الماضي.

ما يفاقم المشكلة هو احتمال تدخل أطراف خارجية، خاصة تركيا، التي عبرت مراراً عن رفضها لأي كيان كردي مستقل قرب حدودها، وأكدت أنقرة أن مطالبات الجماعات الكردية السورية بتبني نظام حكم لامركزي ليست أكثر من حلم ولا مكان لها.

سوريا الجديدة

وسط هذه التحديات الأمنية المعقدة، تسعى الإدارة الحالية لترسيخ أركان الدولة السورية الجديدة، حيث تعمل على إقامة علاقات دولية قوية، ساعية إلى رفع العقوبات التي أثقلت كاهل السوريين، ولم يكن ذلك بعيداً عن وقوف وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أمام مقر الأمم المتحدة بنيويورك، رافعاً العلم السوري الجديد ذي النجمات الثلاث، قائلاً إنه يمثل «سوريا الجديدة».

يمثل ظهور الوفد السوري في مجلس الأمن خطوة كبيرة نحو سوريا التي مزقتها الحرب، حيث رحب أعضاء مجلس الأمن بالوفد معتبرين حضوره «خطوة إيجابية» نحو سوريا أكثر ازدهاراً، بينما أكد العديد من الدول ومسؤولي الأمم المتحدة أن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لمداواة جراح سوريا، وفي مقدمتها بالطبع مخاوف العنف الطائفي.

تضع الولايات المتحدة شروطاً قوية للاعتراف بالحكومة السورية الجديدة وتخفيف العقوبات عنها، ومن بين هذه الشروط قمع التنظيمات الإرهابية وتدمير أي أسلحة دمار شامل متبقية، فضلاً عن عدم دمج فصائل بعينها في الجيش السوري، وهو ما قال الشرع إنه بحاجة إلى مناقشة جديدة، آملاً في مفاوضات تؤدي إلى رفع العقوبات.

لكن بعض الدول الغربية أبدت ارتياحها للسلطات السورية الجديدة بشكل أسرع، حيث رفعت الحكومة البريطانية عقوباتها عن اثنتي عشرة جهة سورية، بما في ذلك دوائر حكومية ووسائل إعلام، وبدأ الاتحاد الأوروبي أيضاً برفع عقوباته.

قد يهمك أيضاً :-