كواليس 18 ساعة من الظلام التي أرهبت أوروبا وتجعل الجميع يتساءل لماذا حدثت

إعداد: محمد كمال
لم يكن انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا والبرتغال وأجزاء من فرنسا مجرد حادث عابر، بل كان تجربة صادمة استمرت لأكثر من 18 ساعة، حيث وصفه الكثيرون بـ«الجنوني»، مما أدى إلى شلل الحياة لعشرات الملايين من الأوروبيين، الذين تساءلوا عن الأسباب وراء هذا الانقطاع، مما أثار قلقاً كبيراً حول قدرة الأنظمة على التعامل مع الأعطال المرتبطة بالطاقة الشمسية
العطل ترك معظم شبه الجزيرة الأيبيرية مظلمة لساعات، مما أثر على كل شيء، من المصانع والقطارات إلى أجهزة الصراف الآلي، حيث قضى الآلاف ليلتهم في محطات القطارات تحت الأغطية، أو عالقين في شققهم بلا ماء أو مصاعد أو وسيلة للتواصل بالعالم الخارجي، ومع استعادة الكهرباء، عبر الكثيرون عن قلقهم من فقدان خدمة الهاتف المحمول، أو الوصول إلى الإنترنت، أو القدرة على الدفع إلا نقداً.

مواضيع مشابهة: ما خلفيات الصورة المتداولة حول غرق الحوثيين حاملة طائرات أمريكية في البحر الأحمر؟

ـ مواقف جنونية:

في مورسيا، المدينة الواقعة في جنوب شرق إسبانيا، كانت الكلمة الأكثر تردداً على ألسنة السكان هي «لوكورا»، أي الجنون، ومن بين أكثر المشاهد إثارة للقلق، ما روته طبيبة الأسنان روسيو فيلابلانا، التي كانت تجري جراحة عندما انقطع التيار الكهربائي قبل أن تنهي خياطة داخل فم أحد المرضى، حيث قالت: «عندما انطفأ التيار الكهربائي، بدأ كل شيء يصدر صوت تنبيه»، لكنها تماسكت واستخدمت مولداً احتياطياً لإتمام الجراحة، بينما أكدت ماريا خوسيه، التي تبلغ من العمر 71 عاماً، أنها قضت أمسية متوترة في شقتها بالطابق السابع، حيث كان المصعد معطلاً، مضيفة: «أسوأ ما في الأمر كان انقطاع التواصل»، وقد لاحظت أن كل من جاء للاطمئنان عليها روى نظرية مختلفة حول سبب انقطاع التيار الكهربائي، وفق ما ذكرت لصحيفة واشنطن بوست، وفي العاصمة الإسبانية مدريد، تجمّع سكان حي أرغانزويلا في الشوارع، وقد أصابهم الذهول مما يحدث، حيث ظل البعض يحدق في الهواتف المغلقة، بينما تجمّع آخرون أمام المراكز الصحية والمتاجر في محاولة لمعرفة سبب ما يجري.

من نفس التصنيف: اليوم… محادثات حول البرنامج النووي بين الولايات المتحدة وإيران في سلطنة عُمان

ـ الراديو المصدر الوحيد:

في أحد شوارع مدريد، تجمع حشد صغير في ورشة لإصلاح السيارات، حيث فتح مالك الورشة أبواب السيارة التي كان يعمل عليها، واستمع الجميع إلى نشرة إخبارية عبر الراديو، الذي كان المصدر الموثوق والوحيد للمعلومات طوال اليوم، وأشار مالك الورشة إلى أن ما جرى ذكّره بمحاولة الانقلاب التي وقعت في إسبانيا عام 1981، حيث «كان الجميع ملتصقين بالراديو»، وبطبيعة الحال، توافد الناس على المتاجر التي كانت لا تزال مفتوحة لشراء البطاريات وفحم الطهي وغيرها من الضروريات، ومع حلول الليل، كانت رفوف بعض المتاجر في مدن مثل مورسيا فارغة، حيث قالت ماريا كانتيرو، البالغة من العمر 41 عاماً: «كنا خائفين للغاية.. ركضت إلى المتجر لشراء حليب أطفال لابنتي البالغة من العمر خمسة أشهر وشموع، ومع حلول الليل واستمرار انقطاع الكهرباء، شعرت بالقلق»، وفي بينيشي البرتغالية، على بعد حوالي 100 كيلومتر شمال لشبونة، يقول خوسيه بوتو، البالغ من العمر 69 عاماً، إنه كان يوماً صعباً، حيث كان يقف في طابور سوبر ماركت يحمل دجاجة عندما أُبلغ بانقطاع التيار الكهربائي، وأن الدفع سيكون نقداً فقط، ما اضطره لتركها، ومع صباح الثلاثاء، عادت الحياة إلى طبيعتها، وعادت إشارات المرور للعمل، واختفى رجال الشرطة الذين انتشروا عند التقاطعات لتنظيم حركة المرور في اليوم السابق، لكن العاصمة الإسبانية لم تعد إلى نشاطها المعتاد بعد، حيث بدا أن الكثير من السكان يلازمون منازلهم، ويقول الطالب اللبناني أنطوني ساس، إنه تقطعت به السبل في مدينة قرطبة، بعد إلغاء رحلة قطاره إلى جيان، حيث يدرس، وقضى ليلة بلا نوم في محطة القطار، مُغطّىً ببطانية من الصليب الأحمر، وبقي هناك صباح الثلاثاء، يحمل كيساً بلاستيكياً فيه أمتعته، منتظراً الإعلان عن موعد قطاره المُعاد جدولته.

ـ أسباب الانقطاع المحتملة:

يعتبر هذا الانقطاع الشامل للتيار الكهربائي الأول من نوعه في عصر الطاقة النظيفة في إسبانيا والبرتغال، حيث كانت الطاقة الشمسية تزود الشبكة يوم الاثنين، حتى توقفت بشكل مفاجئ في خمس ثوانٍ، ويقول الخبير شون ماكلولين: «ليس من الواضح لماذا قد تتسبب الطاقة الشمسية في حدوث هذا»، خصوصاً أن العطل بدأ في منتصف النهار وفي ظل أجواء مشرقة، وقد حدث الانقطاع عندما كانت الطاقة الشمسية تمثل حوالي 60% من إجمالي التوليد، بينما كانت توربينات الرياح توفر 9% أخرى، وقد أدى تعطلان منفصلان إلى زعزعة استقرار نظام الكهرباء، مما أدى إلى فصل شبكة الكهرباء الإسبانية عن الشبكة الأوروبية الأوسع، ويشير خبراء إلى أن الشبكات التي تعمل بمستويات عالية من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تواجه تحديات تقنية، وأحد هذه المشاكل تتمثل في أنه إذا توقفت محطة الطاقة الشمسية عن العمل، ينخفض إنتاجها إلى الصفر فوراً، لكن في المقابل تستغرق توربينات توليد الطاقة التقليدية وقتاً للتوقف عن الدوران، مما يُتيح لها موازنة الضخ في حال حدوث أي عطل، ولم تحدد شركة ريد إليكتريكا الإسبانية لتشغيل شبكة الكهرباء سبب الانقطاع تحديداً، لكنها رجحت أن تكون مصادر الطاقة المتجددة هي السبب، مستبعدة فرضية الهجوم الإلكتروني، بينما قالت السلطات إنها بحاجة إلى جمع وتحليل المزيد من المعلومات قبل أن تتمكن من ضمان عدم تكرار الحادث، ومن المعروف أن انقطاعات الكهرباء حدثت قبل وقت طويل من بدء الاعتماد على الطاقة المتجددة، فقد شهدت إيطاليا انقطاعاً شاملاً عام 2003، عندما سقطت شجرة عملاقة على خط كهرباء في سويسرا، وفي العام ذاته، شهدت منطقة شمال شرق الولايات المتحدة والمقاطعات الكندية المجاورة واحدة من أكبر حالات انقطاع التيار الكهربائي في التاريخ، حيث انقطع عن أكثر من 50 مليون شخص بسبب خلل برمجي.