اكتشف أسرار «اتفاقية أوكرانيا» التي لم تكشف عنها إدارة ترامب وكيف أثرت على الضمانات الغائبة

اكتشف أسرار «اتفاقية أوكرانيا» التي لم تكشف عنها إدارة ترامب وكيف أثرت على الضمانات الغائبة

إعداد: محمد كمال

بعد أشهر من المفاوضات المعقدة، أعلنت واشنطن وكييف أخيراً عن توقيع “صفقة الموارد الطبيعية”، في إطار اتفاق اقتصادي شامل يهدف إلى إنشاء صندوق استثماري لإعادة إعمار أوكرانيا، حيث تضمن الاتفاق استراتيجيات متعددة لم تُكشف تفاصيلها رسمياً، بينما غابت عنه “الضمانة الأهم”، تزامناً مع الكشف عن كواليس اللحظات الأخيرة وأسباب تأجيل التوقيع لفترة طويلة.

ـ الضمانة الغائبة:

ـ قبل ساعات من التوقيع، كانت هناك بعض الشكوك حول الاتفاق، حيث وصل مسؤولون أوكرانيون إلى واشنطن وأعربوا عن رغبتهم في إجراء تغييرات في اللحظة الأخيرة، لكن الإدارة الأمريكية أعربت عن أملها في أن يغيروا مواقفهم، ولم يُكشف عن كيفية سير الأمور حتى الإعلان الرسمي عن التوقيع.

ـ كانت أوكرانيا تأمل في الحصول على تعهد من الولايات المتحدة بالمشاركة في الدفاع عنها ضد أي هجوم مستقبلي، كضمانة قوية لأي اتفاق محتمل لوقف الحرب، وعدم عودة روسيا إلى القتال، ويبدو أن كييف لم تحقق ذلك.

ـ المساعدات المستقبلية:

ـ وفقاً لنسخة مسربة من الاتفاق، يفتح الباب أمام مساعدات عسكرية مستقبلية، رغم عدم النص على ذلك بشكل صريح، حيث جاء في أحد البنود أن “مساهمة واشنطن في رأس المال ستعتبر متزايدة حسب القيمة التقديرية للمساعدة العسكرية”، ويشمل ذلك “نقل أنظمة الأسلحة أو الذخائر أو التكنولوجيا أو التدريب”، كما ذكرت صحيفة تليغراف.

ويرى مراقبون أن القرار الذي يقضي بضم المساعدات العسكرية الجديدة فقط، وليس السابقة، يعد انتصاراً كبيراً لكييف، حيث كان ترامب يأمل في استعادة الدعم الأمريكي الذي يعود إلى فترة جو بايدن في منصبه.

ـ يعود التعديل الذي تم على الاتفاقية وجعلها تقتصر على تقاسم الإيرادات من أي مشاريع مشتركة جديدة فقط، إلى عاملين: الأول هو نفوذ سكوت بيسنت، وزير الخزانة المعتدل نسبياً في إدارة ترامب، والثاني هو الإحباط الأمريكي المتزايد إزاء عدم توصل المحادثات مع الجانب الأوكراني إلى صياغة حول اتفاق سلام، أو حتى الموافقة على وقف إطلاق النار الذي قبلته أوكرانيا من حيث المبدأ في الحادي عشر من مارس/آذار.

ـ اجتماع الثانية صباحاً:

ـ من بين الكواليس التي تم الكشف عنها مؤخراً، والتي أدت إلى تأجيل توقيع “اتفاق المعادن”، كانت المشاحنات التي جرت في اجتماع البيت الأبيض الشهير، حيث كان الرئيس الأوكراني في غرفته بأحد فنادق ميونيخ، وعندما تجاوزت الساعة الثانية صباحاً، حاول نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس إيقاظه لعقد لقاء مباشر من أجل التمهيد لإبرام الصفقة، لكن زيلينسكي رفض بحجة تأخر الوقت، مما أدى إلى تأجيل الاجتماع إلى اليوم التالي، لكنه لم يفضِ إلى توقيع الاتفاق آنذاك، وفقاً لنيويورك تايمز.

ـ وأفاد مسؤول أمريكي سابق مطلع على المفاوضات أن إدارة ترامب رفضت على الأقل محاولة أوكرانية واحدة لإدراج ضمانات أمنية صريحة، مثل استمرار المساعدات العسكرية، لكنه أشار إلى أن الاتفاق من شأنه أن يخدم الغرض المهم المتمثل في بناء حسن النية مع إدارة ترامب، ومنحه مصلحة اقتصادية في بقاء أوكرانيا مستقرة.

ـ وصف “الغزو”:

ـ تضمنت الوثيقة التي وافقت عليها إدارة ترامب وصف الهجوم الروسي على أوكرانيا بـ”الغزو”، حيث جاء في الوثيقة: “قدمت الولايات المتحدة الأمريكية دعماً مالياً ومادياً كبيراً لأوكرانيا منذ الغزو الروسي الشامل لها”.

كما يعتبر مراقبون أن هذا الوصف يمثل دعماً لكييف، حيث كانت إدارة ترامب تطلق في السابق على الحرب وصف “الصراع الروسي الأوكراني”، رافضةً إلقاء اللوم على روسيا.

ـ الانضمام للاتحاد الأوروبي:

ـ من بين ما يأتي في ثنايا الاتفاقية أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وعدت بأن الولايات المتحدة لن تستخدم الاتفاق لمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ـ إضافة إلى ذلك، فإن التزام الولايات المتحدة بالاستفادة من الثروة الطبيعية لأوكرانيا يعني أن زيلينسكي نجح في إشراك المصالح الأمريكية في مستقبل بلاده، مما قد يترتب عليه مزيد من الأسلحة والمساعدات، ويعتبر ضمان الأمن هو التطور المنطقي، حتى وإن لم يتحقق بعد.

ـ وزير الخزانة الأمريكية سكوت بيسنت أكد في بيان عقب توقيع الاتفاقية أنه لن يُسمح لأي دولة أو شخص موّل أو زوّد آلة الحرب الروسية بالاستفادة من إعادة إعمار أوكرانيا، كما اعتبر أن الاتفاق يُشير بوضوح إلى أن إدارة ترامب ملتزمة بعملية سلام تتمحور حول أوكرانيا حرة وذات سيادة ومزدهرة على المدى الطويل.

ـ ليست اتفاقية معادن:

ـ رغم أن الإعلان لم يشر إلى المعادن الأوكرانية، فقد أوضحت وزارة الخزانة الأمريكية أن الاتفاق يركز على الموارد الطبيعية التي كانت موضوع مفاوضات.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد اقترح على ترامب لأول مرة فكرة منح الولايات المتحدة حصة في المعادن الأوكرانية خلال اجتماع في برج ترامب في سبتمبر/أيلول الماضي.

ـ من المقرر أن تعمل مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية مع أوكرانيا لوضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الاتفاق، حيث أكدت حكومة كييف أن البلدين سيتمتعان بحقوق تصويت متساوية على الصندوق، وأن أوكرانيا ستحتفظ بالسيطرة الكاملة على معادن باطن أرضها وبنيتها التحتية ومواردها الطبيعية، كما أشار إلى أن أرباح صندوق الاستثمار ستُعاد استثمارها في أوكرانيا.

ـ فوائد إضافية:

ـ تعتبر الحكومة الأوكرانية أنه “بفضل هذه الاتفاقية، ستكون قادرة على جذب موارد كبيرة لإعادة الإعمار، وبدء النمو الاقتصادي، والحصول على أحدث التقنيات من الشركاء والمستثمر الاستراتيجي في الولايات المتحدة.

ـ في واشنطن، تنفس العديد من حلفاء أوكرانيا الصعداء إلى حد ما، ووصفوا الاتفاق بأنه تحسن ملحوظ مقارنة بالنسخ السابقة، وإشارة إلى أن كييف قادرة على العمل بشكل بناء مع إدارة ترامب.

ويقول السفير الأمريكي السابق في كييف ويليام تايلور: “لقد حصلوا على صفقة أفضل بكثير من تلك التي اقتُرحت في البداية”، وأضاف: “لقد أخذ الأمريكيون بالعديد من اقتراحات الأوكرانيين”، واعتبر أن “هذه علامة جيدة لمفاوضات وقف إطلاق النار”.

ـ سبب تأجيل الصفقة:

ـ تأجلت الصفقة بعد اجتماع متوتر في المكتب البيضاوي أواخر فبراير/شباط بين ترامب وزيلينسكي، وخلال الشهرين اللذين انقضيا منذ ذلك الحين، تمحورت نقطة الخلاف الرئيسية في المفاوضات حول ما إذا كانت المساعدات الأمريكية المقدمة لأوكرانيا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022 ستُعامل كديون يتعين على كييف سدادها، وهو ما تخطته الاتفاقية الحالية بتركيزها على المساعدات المستقبلية فقط.

ـ كان من المفترض أن يوقع ترامب وزيلينسكي اتفاقاً في البيت الأبيض في فبراير، ولكن بدلاً من ذلك، وبّخ ونائبه جي دي فانس زيلينسكي أمام الكاميرات، وقالا إنه لم يكن ممتناً بما يكفي للمساعدة الأمريكية، ثم طُلب منه المغادرة، وتلا ذلك تعليق إدارة ترامب لفترة وجيزة تسليم جميع المساعدات العسكرية الأمريكية وتبادل المعلومات الاستخباراتية لأوكرانيا.

ـ في مذكرة نوايا لإبرام الصفقة، التي تم توقيعها في 16 إبريل/نيسان، حددت أوكرانيا والولايات المتحدة اتفاقاً لتشكيل صندوق للاستثمار في إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب، والتي من المتوقع أن تبلغ قيمتها مليارات الدولارات إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار، ومن المرجح أن تعود عمليات الإعمار في أغلبها إلى الشركات الأمريكية، إضافة إلى فتح مجالات التعدين والنفط والغاز الطبيعي أمامها.

ـ تقول السلطات الأوكرانية إن البلاد تمتلك رواسب لأكثر من عشرين معدناً بالغ الأهمية، وقدّرت إحدى شركات الاستشارات قيمتها بتريليونات الدولارات، لكن قد لا يكون استخراجها سهلاً، فالخرائط التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، التي تُحدد مواقعها لم تُحدّث قط، ولم تخضع جميعها لفحص دقيق.

ـ تحصل أوكرانيا حالياً على نحو مليار دولار سنوياً من عائدات الموارد الطبيعية، وهو أقل بكثير من مئات المليارات من الدولارات التي قال ترامب إنه يتوقع أن تحصل عليها الولايات المتحدة من الاتفاق.

قد يهمك أيضاً :-