أكثر المعارك شراسة داخل البيت الأبيض وكيف أثرت على السياسة الأمريكية

في ظل مشهد سياسي أمريكي يعاني من الانقسامات المتزايدة، وتراجع الثقة في المؤسسات، تأتي الانتخابات الرئاسية لعام 2024 لتصبح لحظة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة، فهي ليست مجرد استحقاق ديمقراطي عابر، بل تمثل صراعًا وجوديًا حول هوية البلاد ومستقبل ديمقراطيتها.

مقال له علاقة: مراسم سرية للغاية: كيف يتم تحديد خلف البابا فرنسيس؟

في كتابهما الجديد «الصراع»، يقدم الصحفيان المخضرمان جوناثان آلن وآيمي بارنز سردًا مثيرًا لأحداث الحملة الانتخابية الأمريكية لعام 2024، التي اعتبرها الكثيرون الأكثر اضطرابًا في التاريخ السياسي الحديث. من خلال أكثر من 150 مقابلة حصرية، تمكن الكاتبان من رسم صورة حية لما حدث خلف الكواليس في معسكرات جو بايدن، وكامالا هاريس، ودونالد ترامب، مسلطين الضوء على اللحظات التي أعادت تشكيل مصير أمريكا السياسي، والفجوات العميقة التي ظهرت داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

نهاية زمن وبداية آخر

ينطلق الكتاب، الذي صدر عن دار «ويليام مورو» في 1 إبريل 2025، باللغة الإنجليزية، ويتكون من 352 صفحة، من لحظة محورية تتمثل في انسحاب رئيس حالي من سباق إعادة انتخابه تحت ضغط داخلي وشعبي هائل، وهو حدث نادر في التاريخ الأمريكي الحديث. يتناول الكتاب تداعيات هذا القرار على هيكلية الحزب الديمقراطي، والصدمة التي أصابت النخبة السياسية، وتأثيره على مسار نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي لم يكن أمامها سوى خوض حملة انتخابية سريعة وغير متوقعة استمرت 107 أيام فقط.
من جهة أخرى، يروي الكتاب كيف خاض دونالد ترامب المعركة وسط سلسلة من القضايا الجنائية، والتحديات الأمنية، ومحاولات الاغتيال، ومع ذلك، تمكن من إعادة توجيه الخطاب السياسي في البلاد، من خلال خطاب شعبوي عاطفي استطاع أن يلامس مشاعر الغضب والإحباط لدى شريحة واسعة من الناخبين.
ما يميز هذا العمل هو أنه لا يكتفي بتتبع المسار الظاهري للحملات الانتخابية، بل يغوص عميقًا في البنية النفسية والسياسية للشخصيات الرئيسية، حيث يُقدّم بايدن كرجل تمزقه رغبته في الاستمرار وإحساسه بأن لحظة تسليمه القيادة لم تحن بعد، مما أدخله في صراع مفتوح مع حزبه، وترك خلفه انقسامات عميقة وصدوعًا في العلاقات الشخصية والمؤسسية.
كما تظهر كامالا هاريس في الكتاب كشخصية دُفعت فجأة إلى مركز الضوء، دون الاستعداد الكافي، وفي ظل غياب التفويض الكامل من المؤسسة الحزبية التي تعاملت معها كخيار اضطراري لا خيار قناعة، ويصوّرها المؤلفان كامرأة تخوض معركة على جبهات متعددة: داخل الحزب، وفي مواجهة الإعلام، وفي صراع رمزي بوصفها أول امرأة سوداء من أصول جنوب آسيوية تترشح لقيادة البلاد، ويوثق الكتاب كيف وُضعت هاريس أمام اختبار قاسٍ، في وقت كانت فيه البلاد غارقة في اضطراب داخلي وتبحث عن إجابات سريعة، بينما كانت هي محرومة من الدعم الحزبي الحقيقي.

السياسة كمرآة للمجتمع

يتناول الكتاب أيضًا التحولات الاجتماعية العميقة التي أثرت في المزاج الانتخابي، ويُظهر شعور ملايين الأمريكيين بالخذلان والضياع، خاصة في ظل التضخم، وتراجع الخدمات، واستمرار آثار جائحة كورونا، ويبيّن كيف فشلت النخب الديمقراطية في مخاطبة هذه الشرائح بلغة صادقة، مقابل نجاح ترامب في استثمار هذا الغضب، حتى في ظل التهم الموجهة إليه.
يطرح الكتاب تساؤلات صريحة حول الأزمة التي تواجهها الديمقراطية الأمريكية، وما إذا كانت المؤسسات لا تزال قادرة على احتواء التحديات القادمة، وهل أصبحت الحملات الانتخابية مجرد سباقات استقطاب عدوانية لا تتّسع لأي نقاش عقلاني أو مشروع سياسي واضح، ويتبنى المؤلفان أسلوبًا شبيهاً بالتحقيق الصحفي المطوّل، حيث يتنقل القارئ من «غرف التفكير» في البيت الأبيض إلى مكاتب كبار المستشارين الجمهوريين، مارًا بمحاورات مشحونة في الأروقة الداخلية للحزب الديمقراطي، مما يمنحنا فرصة لفهم منطق اتخاذ القرار داخل النخبة السياسية، حيث يتقاطع الطموح الشخصي مع الحسابات الإعلامية والضغوط الاقتصادية.

مقال مقترح: وسط صيحات “فلسطين حرة وعار عليك”.. تصويب زجاجات المياه نحو بن غفير في الولايات المتحدة (فيديو)

بنية الكتاب

يتناول القسم الأول من الكتاب، المعنون ب «تفكيك الرئيس»، المرحلة التي بدأ فيها تآكل قيادة جو بايدن من الداخل، حيث يبدأ الفصل الأول بعنوان: «الجزء الصامت يُقال بصوت عالٍ» برصد اللحظة التي بدأت فيها الشكوك تطفو داخل البيت الأبيض، عندما بدأ الحلفاء والمقرّبون يعترفون بأن الرئيس قد لا يكون قادرًا على الاستمرار، ثم يأتي الفصل الثاني «خطط الطوارئ» ليسلّط الضوء على المحادثات السرية داخل الحزب الديمقراطي حول السيناريوهات البديلة، في حال قرر بايدن الانسحاب، أما الفصل الثالث «تابع القتال»، فيتناول كيف استمر بايدن في التشبث بموقفه، رغم تزايد الضغوط الداخلية، بينما الفصل الرابع «نوبة عابرة أم حالة دائمة؟»، يتناول بجرأة الوضع الصحي للرئيس وتداعياته على اتخاذ القرار.
يأتي الفصل الخامس «الورقة الرابحة» ليكشف محاولات بايدن استعادة السيطرة عبر استراتيجيات بديلة، وفي الفصل السادس «حتى أنتِ يا نانسي؟»، نتعرف إلى موقف نانسي بيلوسي التي شكلت لحظة مفصلية في تحول موقف المؤسسة الديمقراطية، بينما يتصاعد حدة الصراع الداخلي في الفصل السابع «قاتل! قاتل! قاتل!»، حيث يبلغ التوتر مداه مع تفجر الخلافات داخل القيادة، ويبرز الفصل الثامن «مكالمة هاتفية في غاية الأهمية» أهمية الاتصالات المغلقة في صياغة ملامح التحول داخل الحزب، ويختتم القسم بالفصل التاسع «كاريوكي عند نهاية العالم»، في مشهد رمزي يلخص الشعور الجمعي بأن شيئًا ما في النظام السياسي الأمريكي ينهار بصمت.
أما القسم الثاني، «ما تطلّبَه الأمر»، فيبدأ بالفصل العاشر «عليك أن تؤيدني»، حيث نشهد كيف حاول المرشحون الجدد تثبيت شرعيتهم بسرعة، وفي الفصل الحادي عشر «عبث سياسي»، يتناول الكاتبان الحملات الخلفية والمناورات التي وُظّفت لقلب الطاولة، بينما يرسم الفصل الثاني عشر «مارالاغو ضد كامالوت» مشهد المواجهة الرمزية بين معسكر ترامب ومعسكر هاريس، ويتناول الفصل الثالث عشر «لا فراغ بيننا يا فتى»، العلاقة الدقيقة بين هاريس ومستشاريها، وسعيها للظهور كقائدة متماسكة، بينما يرصد الفصل الرابع عشر «الكلمة النابية» صعود نبرة الغضب والخطاب الهجومي في الحملات، وفي الفصل الخامس عشر «المنعطف»، يبدأ التحول الحقيقي في السباق، ويتبدّل ميزان القوى، بينما يقدم الفصل السادس عشر «تكساس هولد إم» مشهدًا تحليليًا لأحد أكثر القرارات الاستراتيجية إثارة للجدل، ويعرض الفصل السابع عشر «وقت النفايات» ما يشبه انهيار الخطاب السياسي في الأيام الأخيرة،
ويختتم الكتاب بالفصل الثامن عشر «فقط احصل على 270»، في إشارة إلى عدد الأصوات الحاسمة في المجمع الانتخابي، حيث تتركز آخر معركة في معسكرات المرشحين، ويُختتم العمل بفصل أخير بعنوان: «النتائج»، يعرض فيه الكاتبان مشاهد ما بعد المعركة، والانقسامات العميقة التي خلّفتها، والأسئلة المفتوحة التي لا تزال تُلقي بظلالها على مستقبل الديمقراطية الأمريكية.