ترامب يحقق 100 يوم من القرارات غير التقليدية في البيت الأبيض

ترامب يحقق 100 يوم من القرارات غير التقليدية في البيت الأبيض

د. أيمن سمير

«لا شيء نخافه أكثر من الخوف نفسه».. هذه العبارة الشهيرة للرئيس الأمريكي من الحزب الديمقراطي، فرانكلين روزفلت، التي ألقاها بمناسبة مرور 100 يوم على توليه الحكم عام 1933، كانت تهدف إلى طمأنة الشعب الأمريكي الذي كان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، بينما كانت الفاشية والنازية تتوسع في أوروبا، وقد أصبحت رسالة روزفلت تقليدًا أمريكيًا لتقييم الأيام المئة الأولى من أي رئيس، رغم عدم وجودها في الدستور أو القوانين الأمريكية.

الأربعاء الماضي، أكمل الرئيس ترامب 100 يوم من ولايته الثانية في البيت الأبيض، ورغم اختلاف الآراء حوله، فإن هذه الفترة كانت بالفعل «خارج الصندوق» السياسي الأمريكي التقليدي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، فقد قام ترامب بخطوات غير مسبوقة على الساحتين الداخلية والخارجية، مما أدى إلى تباين حاد في تقييم أدائه، فبعضهم يراه مثل جورج واشنطن الثاني أو فرانكلين روزفلت الذي يعيد الأمل، بينما يعتقد آخرون أن خطواته قد تدق آخر مسمار في نعش الهيمنة الأمريكية، خاصة في ظل تفوق الاقتصاد الأمريكي الذي ظل بلا منافس منذ 1870، وخلال الأيام المئة الأولى، أصدر ترامب 140 أمرًا تنفيذياً، وهو رقم قياسي لم يسبقه إليه أي رئيس منذ هاري ترومان، وخاض معارك عديدة في الداخل والخارج، حيث يسعى لطرد نحو 20 مليون مهاجر غير شرعي، وأغلق الحدود مع المكسيك، واستعان بالجيش الأمريكي لمنع المهاجرين، مما أدى لدخول عشرات الدعاوى القضائية، وفصل آلاف الموظفين الفيدراليين، مما أثار تعاطف الشعب الأمريكي معهم، كما أثار ترامب جدلاً حول إمكانية ترشحه لولاية ثالثة أو وضع صورته على عملة جديدة من فئة 250 دولارًا.

على الساحة الدولية، خرج ترامب عن المألوف، خصوصًا عندما فرض رسومًا جمركية على حلفاء بلاده، مثل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية وإسرائيل، وربما كان أكثر ما أثار الجدل هو تأكيده على رغبته في الحصول على جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك، حتى لو تطلب الأمر السيطرة عليها بالقوة، كما تحدث عن السيطرة على قناة بنما وضم كندا لتصبح الولاية الـ51، فهل كانت تلك مغامرات غير محسوبة في الأيام المئة الأولى؟ وإلى أي مدى يمكن أن تشكل هذه الفترة تحولًا دراماتيكيًا في سياسة الولايات المتحدة في المدى القريب والمتوسط والبعيد؟ والأهم من ذلك، هل هناك فرصة لتصحيح أي أخطاء في حسابات ترامب أم أن الأمور تسير في اتجاه غير أمريكي نحو خصوم واشنطن التقليديين في بكين وموسكو؟

3 نجاحات

رغم الانتقادات حول سرعة اتخاذ ترامب لقراراته، إلا أن التاريخ الأمريكي يشير إلى أن الرئيس الذي يتحرك بسرعة ويحقق تأثيرًا استراتيجيًا في الأسابيع الأولى من حكمه، ينجح في إعطاء زخم مبكر لفترته الرئاسية، ويشبه ذلك بإحراز هدف في بداية المباراة والحفاظ عليه حتى النهاية، وهذا ما يفسر سرعة تحرك فريق ترامب في مختلف القضايا، من فرض الرسوم الجمركية إلى تغيير اسم «خليج المكسيك» إلى «الخليج الأمريكي»، وصولًا لمشاركته كأول رئيس أمريكي في مباراة «السوبر بول»، هذه النجاحات دفعت الكثيرين للتشكيك في استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع شعبيته من 47% في الأسبوع الأول إلى 43% في أبريل الماضي، فالثمار الحقيقية لأي رئاسة تظهر عمليًا في سبتمبر، لذا يمكن القول إن ترامب حقق نتائج ملموسة في الأيام المئة الأولى في 3 ملفات رئيسية.

أولاً: صانع للسلام

أظهر ترامب أنه يفضل الحلول السياسية والدبلوماسية، بعيدًا عن الوسائل العسكرية، وتجلى ذلك في نجاحه في إقرار هدنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليلة تنصيبه، حيث عمل على هذا الملف قبل توليه الحكم رسميًا، واستمرت الهدنة شهرين، ويراهن الجميع في المنطقة على ترامب لوقف الحرب بشكل نهائي، كما دخل في مفاوضات جادة مع إيران لإنهاء مشكلة الملف النووي، رافضًا الهجوم العسكري، ويضع الخيار العسكري كخيار أخير، كما طرح ترامب مقاربة جديدة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، تعتمد على مبدأ «الأرض مقابل السلام»، مما يؤكد أن لديه خطة واضحة، ولهذا رشح النائب الجمهوري داريل عيسى ترامب لنيل جائزة «نوبل للسلام».

ثانيًا: جاذب للاستثمارات

رغم التركيز على الرسوم الجمركية، حقق ترامب نتائج كبيرة في الاقتصاد من خلال تخفيض الضرائب، مما أتاح له الإعلان عن استثمارات قياسية قد تصل إلى نحو 10 تريليونات دولار بنهاية ولايته الحالية، حيث أعلنت شركة «إنفيديا» عن خطط لبناء مصانع ذكاء اصطناعي بقيمة 500 مليون دولار، وهو قرار اتخذته العديد من الشركات للاستثمار في السوق الأمريكي.

ثالثًا: حارس للحدود

بفضل سياسة ترامب بإغلاق الحدود مع المكسيك، ووقف منح الجنسية بالولادة، وملاحقة المهاجرين غير الشرعيين، انخفض عدد المهاجرين إلى أمريكا في فبراير الماضي، حيث شهدت حالات العبور غير القانوني عبر الحدود الجنوبية انخفاضًا كبيرًا، ليصل إلى 8450 حالة، وهو أدنى مستوى منذ 25 عامًا، مقارنة بـ 47000 حالة في آخر شهر من ولاية بايدن.

6 مخاطر

رغم هذه النجاحات، كشفت الأيام المئة الأولى أن ترامب يخاطر في ملفات قد تنعكس سلبًا على رئاسته إذا لم يتم السيطرة على تداعياتها، وأبرز هذه المخاطر هي:

1 – هز الثقة في القيادة الأمريكية

ينظر الكثيرون بقلق للقرارات التي يصدرها ترامب ثم يتراجع عنها، ورغم أن علوم التفاوض تتحدث عن «العروض الافتتاحية»، إلا أن البعض بات ينظر بسلبية لتغيير القرارات بشكل متكرر، مما يعتبرونه إضعافًا للهيبة الأمريكية.

2 – موجة زرقاء

يخشى الجمهوريون من أن يؤدي فرض الرسوم الجمركية وارتفاع كلفة المعيشة إلى ركود تضخمي، مما قد يؤدي لكارثة سياسية في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر 2026، وقد يسمح ذلك للحزب الديمقراطي بالعودة إلى الأغلبية، مما قد يؤثر سلبًا على مجلس النواب الذي يتمتع فيه الجمهوريون بأغلبية بسيطة.

3 – نهاية النظام القائم على القواعد

هذا النظام الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، والذي دعم التحالفات السياسية والعسكرية الغربية، ساعد الغرب في الانتصار في الحرب الباردة، ويخشى البعض من أن سياسات ترامب قد تؤدي إلى تآكل هذا النظام.

4 – خسارة القطب الواحد

يعتقد المعارضون أن سياسات ترامب تجاه حلفاء واشنطن ستؤدي إلى عالم متعدد الأقطاب، مما يعني فقدان الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة التي تحققت منذ تفكك الاتحاد السوفييتي.

5 – زواج أوروبي صيني

تفرض الرسوم الجمركية على دول الاتحاد الأوروبي والصين، مما قد يدفع بكين وبروكسل للاصطفاف معًا ضد الولايات المتحدة، وقد يدفع ذلك أوروبا للتفكير في الاستقلال الاستراتيجي عن أمريكا.

6 – خسارة التحالفات

كانت التحالفات القائمة على القيم المشتركة أساس النفوذ الأمريكي، ولكن مطالبة ترامب لحلف «الناتو» بدفع المزيد من الأموال قد تؤدي إلى خسارة هذه التحالفات التي تشكلت عبر سنوات طويلة.

قد يهمك أيضاً :-