قرار محكمة العدل يُحدث سابقة تاريخية في التقاضي الدولي وفقًا للخبراء القانونيين

قرار محكمة العدل يُحدث سابقة تاريخية في التقاضي الدولي وفقًا للخبراء القانونيين

دبي: «الخليج»

أوضح عدد من المحامين والخبراء القانونيين أن قرار محكمة العدل الدولية برفض الدعوى التي قدمها الجيش السوداني ضد دولة الإمارات يُعتبر انتصاراً قانونياً ودبلوماسياً للدولة، ويعكس التزام المحكمة بمبادئ القانون الدولي، بما في ذلك مبدأ رضائية الاختصاص، وأشاروا إلى أن هذا القرار استند إلى التحفظ القانوني الذي أبدته الإمارات عند انضمامها إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، مما أسقط الأساس القانوني للدعوى، وأكدوا أن هذا الحكم يعزز سيادة الدول في النظام القضائي الدولي، ويمنع تسييس العدالة أو استغلال المحاكم الدولية لأغراض سياسية أو إعلامية.
قال المحامي الدكتور حبيب الملا إن محكمة العدل الدولية أكدت سلامة الموقف القانوني لدولة الإمارات، حيث قبلت الدفوع المقدمة بشأن عدم اختصاصها في النظر في الدعوى، استناداً إلى التحفظ على المادة التاسعة من الاتفاقية، وهي شرط جوهري لقبول اختصاص المحكمة في مثل هذه القضايا.
وأضاف أن المحكمة أوضحت في حيثيات حكمها عدم وجود توافق بين الطرفين، وغياب أي أساس قانوني آخر يمنحها الصلاحية للنظر في الدعوى، مما يعني أن المحكمة تفتقر بوضوح للاختصاص، وأن حسن إدارة العدالة يتطلب شطب القضية نهائياً من سجلاتها.
وأشار إلى أن هذا الموقف القضائي يعكس رؤية دبلوماسية قانونية بعيدة النظر، تجلت في التحفظ الإماراتي على المادة المذكورة منذ توقيع الاتفاقية، مما وفّر غطاءً قانونياً قوياً حال دون قبول مثل هذه الدعاوى لاحقاً.
وأكد الملا أن دولة الإمارات لم تكن يوماً طرفاً في النزاع، بل كانت ولا تزال من أبرز الداعمين لجهود السلام، وشاركت بفاعلية في العديد من المبادرات الإقليمية والدولية لحل الأزمة السودانية، كما كانت من الدول الفاعلة ضمن «منصة أصدقاء السودان» التي دعمت المرحلة الانتقالية بعد ثورة 2019.
ولفت إلى أن الإمارات لم تغفل البعد الإنساني في تعاملها مع الأزمة، حيث قامت بتسيير جسور جوية عبر هيئة الهلال الأحمر لتوفير الغذاء والدواء للمناطق المتضررة، وشدد على أن الدولة أكدت مراراً التزامها الكامل باحترام سيادة السودان ووحدة أراضيه، ورفضها الانحياز لأي طرف في الصراع.
ووصف الاتهامات الموجهة إلى الإمارات بأنها محاولات استهداف سياسي تفتقر إلى الموضوعية والمصداقية، لذا فإن قرار المحكمة يُعتبر نصراً قانونياً وردّاً دبلوماسياً حاسماً على كل محاولات تزييف الوقائع وتحريف الحقائق.
في السياق ذاته، أكد المحامي الدكتور علي مصبح أن قرار محكمة العدل يجسد الالتزام الدقيق بمبادئ القانون الدولي، خاصة ما يتعلق باختصاص المحكمة، التي تُعتبر الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتختص بالنظر في النزاعات القانونية بين الدول، شرط أن تكون هذه الدول قد قبلت اختصاص المحكمة سواء عبر اتفاق خاص أو نص صريح في اتفاقية دولية.
وأضاف أن السودان استندت في دعواها إلى المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، التي تجيز للمحكمة النظر في النزاعات المتعلقة بتفسير أو تطبيق الاتفاقية، إلا أن دولة الإمارات أبدت تحفظاً قانونياً واضحاً على هذه المادة، مما يعني أنها لم تقبل اختصاص المحكمة في هذا النوع من النزاعات.
وأوضح مصبح أن هذا الحكم يؤكد أن العدالة الدولية لا يمكن أن تُبنى على تجاوز الصكوك القانونية أو تجاهل إرادة الدول، كما يرفض استخدام القضاء الدولي كأداة للضغوط السياسية أو الإساءة للعلاقات بين الدول، مشدداً على أن دولة الإمارات تظل تحترم القانون الدولي وتؤمن بالتزاماتها الدولية، وتسعى دوماً لدعم جهود السلام والاستقرار في السودان والمنطقة.
أما المحامي الدولي والمستشار القانوني علي الخاجة، فقد اعتبر أن رفض محكمة العدل الدولية لهذه الدعوى يمثل محطة قانونية ذات أهمية بالغة في مسار القضاء الدولي، حيث يبرز عدة ملامح أساسية في منظومة القانون الدولي.
وأوضح أن المحكمة رفضت النظر في الدعوى بأغلبية ساحقة، استناداً إلى انعدام الاختصاص، مما يؤكد أهمية احترام الإرادة السيادية للدول في نظام العدالة الدولية.
وأضاف الخاجة أنه من منظور قانوني أعمق، يعكس هذا الحكم المبادئ المؤسسة للقضاء الدولي، وعلى رأسها مبدأ رضائية الاختصاص، وعدم جواز فرض الولاية القضائية على دولة دون موافقتها المسبقة، كما يؤكد أن سلوك الدول في علاقاتها الدولية يجب أن يُقيم ضمن معايير الإثبات القانونية الصارمة، لا عبر الانطباعات السياسية أو الحملات الإعلامية.
فيما يتعلق بمضمون الادعاءات، أكد أن الإمارات كانت واضحة في رفضها القاطع لأي دعم مادي أو عسكري لأي طرف في النزاع السوداني، مشدداً على أن سياستها تقوم على الحياد الإيجابي والدعوة إلى تسوية سلمية شاملة تحافظ على وحدة السودان وتوقف نزيف الدم، كما لم يقدم السودان أي دليل مباشر يثبت تورط الإمارات أو توافر القصد الجنائي أو العلم المسبق لديها، وهي شروط جوهرية لإثبات المسؤولية في قضايا الإبادة الجماعية وفقاً لاجتهادات المحكمة.
من جانبه، يرى المستشار القانوني الدكتور علاء نصر أن رفض الدعوى المقدمة ضد الإمارات يُعتبر انتصاراً لقيم العدالة الدولية ورفضاً واضحاً لمحاولات تسخير القضاء لتسويق روايات سياسية، مشيراً إلى أن الدعوى المقدمة من الجيش السوداني افتقرت منذ بدايتها للمصداقية القانونية، ولم تستند إلى أي معاهدة أو التزام ثنائي مع الإمارات، مما يعد خرقاً صريحاً لشروط التقاضي، ويبرز ضعف الموقف السوداني من الأساس.
وقال إن الإمارات تعاملت مع القضية بمرونة ووضوح، رافضة أي اتهام مباشر، ومقترحة حلولاً سياسية وإنسانية تضع مصلحة الشعب السوداني في المقدمة، موضحاً أن الدولة لم تكتف بالدفاع عن موقفها، بل بادرت إلى طرح رؤية للمستقبل تقوم على إنهاء الحرب والانتقال لحكم مدني.
وأضاف أن القرار يؤسس لسابقة مهمة في تاريخ التقاضي الدولي، وهي أن الاتهامات السياسية، مهما كانت قوية، لا يمكن أن تصمد أمام متطلبات الإثبات القانونية، مؤكداً على ضرورة التمييز بين المحافل السياسية والقضائية، وعدم إقحام العدالة في أزمات يمكن حلها بالحوار والتفاوض وليس بالمحاكمات الزائفة.

أي طرف يسعى لتدويل أزماته دون سند قانوني سيفشل

أكد محاميان أن رفض محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة من الجيش السوداني ضد دولة الإمارات يُعتبر رسالة للجميع بأن أي محاولة من قبل أي طرف متصارع لتدويل أزماته الداخلية دون سند قانوني ستكون مصيرها الفشل لا محالة.

قال المحامي والمستشار القانوني بدر عبدالله خميس إن قرار محكمة العدل الدولية يُعتبر لحظة مفصلية في كيفية إدارة النزاعات القانونية في المنطقة، حيث يعيد ضبط المسار القانوني، ويمنع استخدام المحاكم الدولية كمنصات لتصفية الحسابات أو لتبرير الفشل السياسي والعسكري الداخلي.

وأضاف أن المنطقة شهدت في السنوات الأخيرة تزايداً في محاولات تسييس القضاء الدولي، مما يهدد مصداقيته ويشوش على رسالته الأساسية.

وكشف أن ما يميز رد الإمارات على هذه الدعوى هو التزامها بالمعايير القانونية البحتة، حيث تعاملت مع القضية كفرصة لتأكيد احترامها للقانون الدولي، ودعوتها المستمرة لإنهاء الحرب في السودان، مما دعم صورة الدولة كفاعل مسؤول لا يبحث عن التصعيد.

وأضاف أن الحكم القضائي يحمل أيضاً رسالة تحذيرية لأطراف الصراع، بأن أي محاولة لتدويل الأزمات دون سند قانوني ستكون مصيرها الفشل، وأن الانشغال بالدعاوى الشكلية لا يعفي من المسؤولية الحقيقية تجاه المدنيين المتضررين، وأن مستقبل القضايا أمام المحاكم الدولية سيخضع لمزيد من التدقيق، خاصة حين يكون الغرض منها التضليل لا العدالة.

فيما اعتبرت المحامية ميثاء طالب خميس أن قرار محكمة العدل يزيد من ثقة المجتمع الدولي في حيادية واستقلالية القضاء الدولي، موضحة أن المحكمة تعاملت مع الدعوى ضمن ضوابط صارمة، ورفضت الانجراف وراء دعوات التشهير أو التسييس التي تمارس في أروقة السياسة لا المحاكم.

وأضافت أن الإمارات لم تكتف بالرد القانوني، بل قدمت موقفاً متكاملاً يجمع بين الحجة القانونية والدعوة السياسية للحوار، مما يعكس التزامها بالاستقرار الإقليمي ورفضها لأي تصعيد غير مبرر، مبينة أن خطاب الدولة في المحكمة كان عقلانياً ومبنياً على المبادئ، مما عزز مصداقيتها.

وأكدت أن ما حدث يجب أن يكون درساً للدول والأطراف المتنازعة، بأن القضاء ليس وسيلة لتسجيل النقاط السياسية، بل منصة للفصل في القضايا وفق القواعد القانونية، مشيرة إلى أن استخدام المحاكم الدولية لأغراض إعلامية أمر خطير يهدد استقلالية القضاء العالمي، وأن هذا القرار يضع حداً لمحاولات استخدام القانون الدولي كأداة في معارك لا تمت للعدالة بصلة.

وقالت إن السودان، بدلاً من العمل على حماية المدنيين وإنهاء الاقتتال، اختار الدخول في مواجهة قانونية خاسرة كان بالإمكان تجنبها، مما أضاع وقت المجتمع الدولي والجهود القانونية المفترض توجيهها نحو السلام، وأن هذا الحكم يعيد ترتيب الأولويات القانونية والأخلاقية في النزاعات، ويضع المسؤولية على الأطراف الفاعلة لإنهاء الحرب لا تصديرها.

قد يهمك أيضاً :-