
يعتبر المجمع المغلق لاختيار بابا الفاتيكان من أكثر التجمعات سرية في العالم، حيث يُقسم الكرادلة على عدم الإفصاح عن أي تفاصيل تتعلق بالاجتماعات، ويواجهون عقوبات صارمة إذا انتهكوا هذه القاعدة، مما يعني أنهم محظورون من التواصل مع العالم الخارجي حتى يتم انتخاب البابا الجديد، لكن هذه السرية لم تكن سائدة دائماً، بل تطورت عبر أحداث تاريخية مثيرة شهدتها عملية اختيار البابا.
مواضيع مشابهة: ترامب: لن نتسامح مع حصول إيران على أسلحة نووية
في حدث غير مسبوق، سيبدأ 133 كاردينالاً من 70 بلداً عبر خمس قارات التصويت، حتى يحصل أحدهم على أغلبية الثلثين ليصبح الزعيم الروحي لنحو 1.4 مليار كاثوليكي حول العالم، حيث سيتم قطع جميع الاتصالات داخل الفاتيكان حتى يتم انتخاب البابا الجديد، كما يُلزم الأطباء والسائقون والعمال في المطبخ والتنظيف بالسرية وقد أدوا اليمين على ذلك.
مجمع السنوات الثلاث
ترجع بداية العديد من هذه الطقوس السرية إلى عام 1268، في مدينة فيتربو بالقرب من روما، حيث شهد الاجتماع الانتخابي الأطول في التاريخ، وانقسم الكرادلة بشدة حول البابا الجديد، حيث أراد الأساقفة الإيطاليون بابا إيطالياً، بينما أراد الفرنسيون فرنسياً، واستمر هذا الجمود لفترة تقارب الثلاث سنوات.
لكسر هذا الجمود، أغلق السكان المحليون قاعة الكرادلة في القصر البابوي، واقتصر طعامهم على الخبز والماء، وسدوا النوافذ بالطوب، بل أزالوا السقف ليعرضوهم لعوامل الطقس، مما منح الانتخابات البابوية اسمها الحديث «المجمع الكونكلافي»، وهو ما يعني القاعة المغلقة «بمفتاح» باللاتينية.
العزلة التامة
بعد انتخاب البابا غريغوري العاشر، عقب هذا الاجتماع الطويل، سعى إلى تجنب تكرار ما حدث من خلال فرض قواعد أساسية لا تزال تحكم المجمعات حتى اليوم، بما في ذلك العزلة التامة، والتصويت اليومي، ودرجة من عدم الراحة.
لطالما اعتبر حكام أوروبا المتحمسون في العصور السابقة أن اختيار البابا أمر بالغ الأهمية، ولا يمكن تركه للكنيسة وحدها، على سبيل المثال، عندما اجتمع الكرادلة عام 1549، أبلغهم مبعوث الإمبراطور الروماني شارل الخامس أن «أقوى رجل في أوروبا» سيعرف أدق التفاصيل التي تحدث داخل المجمع المغلق، كما يوضح المؤرخ الأمريكي فريدريك بومغارتنر.
الطقوس السرية حديثة نسبياً
تعتبر العديد من الطقوس السرية حديثة نسبياً، حيث لم تصبح كنيسة سيستينا الموقع الوحيد للانتخابات البابوية إلا عام 1878، ولم تكن عادة استخدام الدخان الأسود للدلالة على عدم نجاح الاقتراع، أو الدخان الأبيض لإعلان الاختيار موجودة قبل ذلك، كما انتقل الباباوات إلى أفينيون في فرنسا لفترة من الزمن في القرن الرابع عشر.
يقول المؤرخ ألبرتو ميلوني: «يُعتبر مجمع الكرادلة مصدراً للقصص التي تتحدث عن وقائع غامضة، بينما يستكشف الكرادلة تفضيلات روحانية في التصويت»، لكنه يرى أن المجمع الانتخابي هو استجابة لمطلب عملي، وهو ضمان انتقال سريع وسلمي بين الباباوات.
من نفس التصنيف: ترامب يعلن استسلام الحوثيين ويكشف عن تفاصيل مهمة قبل جولته في الشرق الأوسط
ما حدث في القرن الحادي عشر
في المسيحية المبكرة، كان اختيار أسقف روما عملية معقدة، غالباً ما شارك فيها رجال الدين المحليون والشخصيات النافذة، ولم يكن الكرادلة موجودين حتى القرن الحادي عشر، وكان عددهم في البداية 12 فقط، ثم ازداد تدريجياً ليصل إلى 133 كاردينالاً حالياً، ويحتاج فوز المرشح إلى حصوله على ثلثي عدد الأصوات، وهو شرط قائم منذ القرن الثاني عشر.
تستمر الاجتماعات الحديثة عادةً بين يومين وخمسة أيام، لكن أقصر اجتماع عُقد على الإطلاق كان عام 1503، ولم يستمر سوى بضع ساعات.
واقعة عام 1378
فشل المجمع عام 1378، بعد أن عادت البابوية إلى روما بعد 70 عاماً من وجودها في أفينيون الفرنسية، حيث طالب حشد روماني غاضب بتعيين بابا روماني، واستجاب الكرادلة المرعوبون، لكن العديد منهم لم يكونوا راضين عن اختيارهم البابا أوربان السادس، وعينوا بابا فرنسياً منافساً، هو كليمنت السابع، الذي عاد إلى أفينيون، وفي محاولة فاشلة لإنهاء الانقسام، انتخبت مجموعة من الكرادلة بابا ثالثاً عام 1409، وكان مقره في بيزا، ثم عزل مجمع مسكوني في ألمانيا خلفاء الباباوات الثلاثة، مما مهد الطريق لانتخاب بابا جديد في عام 1417.
عُقد أول مجمع في كنيسة سيستينا عام 1492، وهو العام الذي عبر فيه كريستوفر كولومبوس المحيط الأطلسي، وشابت الانتخابات الأولى في الكنيسة مشكلة كبيرة، حيث أورد مؤرخون أن البعض اتهم البابا ألكسندر السادس، وهو أحد أفراد عائلة ثرية، برشوة زملائه الكرادلة بالأراضي والمال والمناصب المربحة في جهاز الفاتيكان من أجل اختياره.
بعد أن أصبحت كنيسة سيستينا مكاناً ثابتاً للاجتماعات السرية، تقاسم الكرادلة أماكن النوم في الشقة المزخرفة باللوحات الجدارية التي كان يملكها ألكسندر السادس في الفاتيكان، لكن لم تكن الغرف مريحة، حيث كان كل ستة كرادلة يتشاركون الغرفة مع حواجز مؤقتة للخصوصية، وكانت دورات المياه شحيحة.
يقول لوتشيانو جاليانو، أحد كبار المديرين في متاحف الفاتيكان، التي تضم شقة ألكسندر السادس: «إنه مقعدٌ مثقوب، وعندما كان الكرادلة يصوتون، كان الموظفون يأتون لتنظيف الغرف وتجهيزها لليوم التالي».
يوحنا بوليس الثاني ودار الضيافة
استمر هذا الترتيب حتى عام 1978، وهو عام انعقاد المجمعين، ففي أغسطس/ آب انتُخب البابا يوحنا بولس الأول، وفي أكتوبر/ تشرين الأول، بعد وفاته، شعر الكاردينال البولندي كارول جوزيف فويتيلا، الذي أصبح البابا التالي باسم يوحنا بولس الثاني، بالفزع من الظروف المعيشية الصعبة، ويقول أحد المؤرخين: «كان عاماً شديد الحرارة، لنقل إنهم لم يستمتعوا بالإقامة في هذه الغرف، وبعد الاجتماع الثاني في أكتوبر، كان حلم يوحنا بولس الثاني هو تجهيز مكان خاص للاجتماع السري».
فاز يوحنا بولس الثاني، أول بابا غير إيطالي منذ 455 عاماً، بعد جدال حاد بين مرشحين إيطاليين بارزين، مما ساهم في قرار الكرادلة بانتخاب أجنبي، وفقاً للمؤرخ ميلوني، وأمر البابا البولندي ببناء دار ضيافة للكرادلة.
ينزل الكرادلة الناخبون تقليدياً في دار ضيافة سانتا مارتا في الفاتيكان، التي تضم حمامات خاصة وخدمة غرف، لكن ليس فيها غرف كافية للجميع، حيث عيّن البابا فرنسيس عدداً كبيراً من الكرادلة، مما أدى إلى نقص غرف النوم، مما يعني أن بعضهم سيبيتون في مبنى قريب، وهم الكرادلة الناخبون الذين تقل أعمارهم عن 80 عاماً، وقد عيّن البابا فرنسيس نحو 80% من الكرادلة الناخبين الحاليين، لكن الخبراء يعتقدون أنهم لن يختاروا بالضرورة خلفاً يسير على خطاه.
من نفس التصنيف: إسرائيل تزيد من عمليات الاقتحام والاعتقال وتفجير المنازل في الضفة الغربية.
قد يهمك أيضاً :-
- اكتشف كيف تميز بين الشاي الأصلي والمغشوش مع نصائح صاحب سوبر ماركت.. حيل بسيطة لن تعرفها!
- تحالفات جديدة وأحداث تاريخية مثيرة في قيامة عثمان الحلقة 191.. انقلاب وخيانة داخلية تلوح في الأفق
- فوز زامبيا على تنزانيا في أمم أفريقيا للشباب ضمن مجموعة مصر
- ازرع الخيار في حديقة السطح بكل سهولة.. طريقة طبيعية وصحية 100% لزراعة الخيار في المنزل
- هل سيشارك رامي ربيعة في مباراة الأهلي ضد المصري؟ الاختبار الطبي سيحسم القرار
تعليقات