الهند وباكستان أمام فرصة حقيقية لتجنب الحرب الشاملة رغم التصعيد المتبادل

الهند وباكستان أمام فرصة حقيقية لتجنب الحرب الشاملة رغم التصعيد المتبادل

إعداد: محمد كمال

يعتقد المحللون أن الوقت الحالي يمثل فرصة ذهبية لكل من الهند وباكستان للخروج من هذا الصراع بشكل آمن، قبل أن تتدهور الأمور إلى حرب شاملة قد تكون لها عواقب وخيمة على الطرفين، خاصة وأن الاشتباكات الحالية توصف بأنها الأسوأ منذ نصف قرن، حيث تجاوزت الضربات العسكرية المناطق المعتادة لتصل إلى أهداف أكثر عمقاً وكثافة سكانية، وسط ضغوط دولية متزايدة لاحتواء النزاع بين هذين البلدين النوويين.

الخروج الآمن

يعتبر المراقبون أن الظروف الحالية تتيح للهند وباكستان فرصة للخروج من الصراع، حيث استهدفت الهند مواقع داخل باكستان في رد فعل على مقتل 26 سائحاً في الشطر الهندي من كشمير، رغم نفي إسلام آباد أي ضلوع في الهجوم، وقد أعلنت باكستان عن إسقاط عدد من الطائرات الهندية خلال تلك الهجمات، تلا ذلك إعلان الجانبين عن تحييد هجمات بطائرات مسيّرة.
ويشير المحللون إلى أن ما يحدث قد يكون بعيداً عن التصريحات الإعلامية المتوعدة، حيث لا يتجاوز نطاق المناوشات العنيفة، ولم يصل إلى مرحلة الحرب الشاملة، لذا فإن الوقت الحالي هو الأنسب للإعلان عن وقف الأعمال العدائية، قبل أن يرتفع عدد الضحايا المدنيين، مما يؤدي إلى دوامة من الثأر المتبادل.

هل بدأت محادثات سرية؟

أعرب دبلوماسيون ومحللون عن أملهم في أن تتيح الأحداث الحالية مخرجاً للطرفين لتفادي الانزلاق إلى حرب شاملة، وقد زاد هذا الأمل بسبب تلميحات تشير إلى بدء محادثات سرية، حيث ذكر وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار لوسائل الإعلام بوجود «بعض التفاعل» بين مستشاري الأمن القومي منذ المواجهة العسكرية الأخيرة، وفقاً لتقرير صحيفة نيويورك تايمز.
ويؤكد المراقبون أن هناك مؤشرات على جدية الطرفين في خفض التصعيد، حيث تصرح الهند علناً بأن ضرباتها كانت محدودة وموجهة، وأنها لا تسعى إلى التصعيد، حيث قال وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري: «كانت هذه الإجراءات مدروسة وغير تصعيدية ومتناسبة ومسؤولة».
وعلى الجانب الآخر، ركز المسؤولون الباكستانيون على قدرة جيشهم على الردع، حيث أكدوا أنهم انتظروا حتى بدأت الطائرات الهندية بإطلاق صواريخها قبل أن يقوموا بضربها، كما أضاف وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف أنه يرحب بأي جهود أمريكية للمساعدة في نزع فتيل الأزمة، رغم تحذيره من أن الصراع قد يدخل في مرحلة خطيرة.
ويشير المحللون والدبلوماسيون إلى أن ما سيحدث لاحقاً يعتمد على ما إذا كان الطرفان قد حصلا على ما يكفي لإرضاء الشارعين الهندي والباكستاني، وما إذا كان بالإمكان حشد الدبلوماسية الدولية اللازمة في ظل الاضطرابات العالمية الراهنة.

عندما تحركت الأسلحة النووية

لإدراك مدى خطورة الوضع، يمكن العودة إلى المواجهة العسكرية بين الهند وباكستان في عام 2019، حيث رصد مسؤولون أمريكيون تحركات في الترسانات النووية لكلا البلدين، مما أثار قلقهم.
وذكر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك مايك بومبيو أنه استيقظ في منتصف الليل للتحدث مع كل طرف، لإقناعهم بأن الآخر لا يستعد للحرب النووية، كما كتب في مذكراته. ورغم ذلك، خفت حدة الصدام بعد بعض المناوشات الأولية.
تُعتبر الدولتان قريبتين من التكافؤ في أسلحتهما النووية، ورغم أن الهند لم تعلن عن حجم ترسانتها، إلا أن التقديرات تشير إلى أن مخزونها يبلغ نحو 160 رأساً نووياً، وفقاً لمركز مراقبة الأسلحة وانتشار الأسلحة النووية، ويمكن نشر هذه الرؤوس عبر صواريخ باليستية، وصواريخ تُطلق من الغواصات، وطائرات تحمل قنابل نووية.
بينما يُقدّر أن باكستان تمتلك نحو 170 رأساً حربياً وصواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، ويمكنها إطلاق هذه الأسلحة من الطائرات.
ويحذر الخبراء من أن تبادلاً نووياً صغيراً بين الهند وباكستان قد يؤدي إلى مقتل 20 مليون شخص في أسبوع واحد، وفقاً لمركز السيطرة على الأسلحة والانتشار النووي.

مفاجأة سيدة السيندور

أطلقت الهند على تحركها العسكري اسم «عملية سيندور»، والسيندور هو المسحوق القرمزي الذي يمثل علامة تقليدية على الحالة الاجتماعية للمرأة الهندوسية، حيث تضعه النساء المتزوجات، وقد تم التقاط الاسم من امرأة تدعى ناروال، التي ظهرت بجانب زوجها المقتول في الهجوم على السياح في كشمير.
لكن المفاجأة كانت أن ناروال، التي فقدت عريسها بعد أسبوع واحد فقط من زفافها، كانت قد خرجت بتصريحات بعد انتشار صورتها، حيث عبرت عن رغبتها في السلام، مؤكدة أنها لا تريد رؤية الناس يتقاتلون في كشمير، وطلبت تقديم الجناة للعدالة.

نقطة نظام ضرورية

أكد شاشي ثارور، عضو البرلمان الهندي، أن الهجوم المروع الذي استهدف السياح في كشمير، لم يترك للحكومة الهندية خياراً سوى اتخاذ بعض الإجراءات العسكرية، حيث كان من الممكن أن يشعر المسلحون بأنهم قادرون على الهجوم دون عقاب، لكنه أشار إلى أن الجانب الهندي تعامل بحساسية لتقليل فرص التصعيد.
بينما أبدى الجانب الباكستاني رغبته في عدم التصعيد، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة، حيث سيكون من الصعب اختيار أهداف غير تصعيدية داخل الهند، مما قد يؤدي إلى تصعيد النزاع.
وحسب التحليل السابق، يرى مؤيد يوسف، مستشار الأمن القومي السابق في باكستان، أن التفكير الباكستاني يتركز على الردع، لتأكيد الهند بأنها لا تستطيع ضربها عبر الحدود دون رد، كما أشار إلى جدل حول ما إذا كان إسقاط الطائرات الهندية كافياً، ورغم ذلك، يعتبر أن «الكرة لا تزال في ملعب الهند».

دور دولي ملح

يؤكد محمد سعيد، الجنرال المتقاعد ورئيس الأركان العامة السابق للجيش الباكستاني، أن الجانبين بحاجة إلى دعم دولي لتهدئة التوترات، حيث قال: «على المجتمع الدولي أن يدرك، مهما انشغل بأوكرانيا أو غيرها، أن هذه أزمة تلوح في الأفق ذات تداعيات جسيمة، وإذا انزلقت المنطقة إلى حرب مفتوحة، فماذا سيحدث؟». وأكد على ضرورة أن تبذل القوى العالمية جهوداً مستمرة «للانخراط»، وإلا فإننا نُعد أنفسنا لنفس الأزمة مجدداً.
تمتلك الهند، باعتبارها الدولة الأكثر سكاناً في العالم، أحد أكبر الجيوش، حيث يبلغ عدد أفراد الخدمة الفعلية نحو 1.4 مليون فرد، منهم 1.2 مليون في الجيش، و60 ألفاً في البحرية، و127 ألفاً في القوات الجوية، بالإضافة إلى قوات شبه عسكرية قوامها 1.6 مليون فرد، واحتياط قوامه 1.1 مليون فرد، كما تعد من الدول ذات الإنفاق الدفاعي الضخم، حيث بلغ 77.4 مليار دولار في عام 2024.
في المقابل، يبلغ إجمالي عدد أفراد الخدمة الفعلية في باكستان نحو 650 ألف فرد، منهم 560 ألفاً في الجيش، و23800 في البحرية، و70 ألفاً في القوات الجوية، بالإضافة إلى قوات شبه عسكرية قوامها 280 ألف فرد، وفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
تُعتبر الهند تمتلك في ساحة المعركة نحو 3100 دبابة قتال رئيسية، بينما تمتلك باكستان نحو 2500 دبابة، كما تمتلك كل دولة قوة جوية كبيرة، حيث تضم الهند مقاتلات رافال وسوخوي سو-30 وميج-29، بينما تملك باكستان طائرات صينية وأمريكية متطورة.

قد يهمك أيضاً :-