أسرار تبجيل بوتين ليوم النصر بعد وفاة شقيقه وبسالة والده

أسرار تبجيل بوتين ليوم النصر بعد وفاة شقيقه وبسالة والده

إعداد: محمد كمال

عندما اعتلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منصة الساحة الحمراء في موسكو، احتفالاً بالذكرى الثمانين للانتصار على الحلفاء، قال: «لقد ورثنا من آبائنا الدفاع بقوة عن مصالحنا الوطنية وتاريخنا»، ويبدو أنه كان يعبر عن حقيقة عميقة، حيث تطوع والده للقتال في صفوف القوات السوفييتية خلال الحرب العالمية الثانية، بل وأدى مهمة خلف الخطوط النازية، ونجا من قبضة الجنود الألمان بفضل حيلة بارعة.

تكتسب احتفالات الانتصار على ألمانيا النازية في روسيا زخماً غير مسبوق، ولا توازيها أي احتفالات في دول أخرى، فقد شهد هذا العام مشاركة أكثر من 20 رئيس دولة، واستعراض عسكري لممثلين من 13 دولة، حيث تعتبر روسيا هذا النصر رمزاً للفخر ولحظة حاسمة في تاريخها.

أما بالنسبة لبوتين، فقد جعل يوم النصر ركيزة أساسية في حكمه، وغالباً ما يذكر دور عائلته في الحرب، مستحضراً ذكريات عن والده الذي يحمل الاسم ذاته ووالدته ماريا، وكذلك وفاة شقيقه فيكتور، المعروف باسم «فيتيا»، الذي توفي خلال حصار النازيين لمنزلهم في لينينغراد، والتي تُعرف اليوم بسانت بطرسبرغ، لمدة عامين ونصف.

يستحضر بوتين دائماً تلك الذكريات، حيث يتذكر مسكنه القديم قائلاً: «كان هذا هو المكان الذي نجت فيه والدتي بأعجوبة، ورغم إعفاء والدي من الخدمة العسكرية، تطوّع للدفاع عن مسقط رأسه».

ـ واقعة تخفي والده

وفي مقال سابق له، تحدث عن مهمة والده في استطلاع تجسسي خلف خطوط النازيين، حيث قُتل رفاقه، ونجا من خلال الاختباء في مستنقع والتنفس من خلال قصبة بينما كان الجنود الألمان يمرون بالقرب منه.

تعرض والد بوتين لإصابات بالغة، وبعد مغادرته المستشفى، عاد إلى منزله وهو يستخدم عكازين ليجد عمال المشرحة ينقلون جثمان زوجته لدفنها، ويتذكر بوتين ما قاله والده في تلك اللحظة: «لقد اقترب منها وبدا له أنها تتنفس، رغم الاعتقاد بأنها فارقت الحياة، وقال للمسعفين: إنها لا تزال على قيد الحياة!».

لكن عمال المشرحة أجابوه: «ستموت في الطريق، ولن تنجو»، إلا أن بوتين قال إن والده دفعهم بعيداً بالعكازات وأصر على أن يحملوها إلى شقتهم.

ـ الاتحاد السوفييتي والحرب العالمية

وفقاً للوثائق الرسمية، فإن الاتحاد السوفييتي السابق فقد حوالي 27 مليون مواطن في ما يسميها الحرب الوطنية العظمى بين عامي 1941 و1945، مما ترك جرحاً عميقاً في وجدان الشعب.

غزت ألمانيا النازية الاتحاد السوفييتي في 22 يونيو/حزيران 1941، وسرعان ما اجتاحت الجزء الغربي من البلاد، وبحلول أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، اقترب النازيون من موسكو حتى 30 كيلومتراً، لكن الجيش الأحمر انتفض وهزمهم.

لاحقاً، حققت القوات السوفييتية انتصارات ساحقة على ألمانيا في عام 1943 في ستالينغراد وكورسك، ودفعوا القوات النازية للتراجع عبر غرب الاتحاد السوفييتي حتى برلين.

يشير بوتين إلى أن سوفييتياً واحداً من كل سبعة قتلى في الحرب العالمية الثانية، مقارنةً ببريطانيا حيث يوجد قتيل واحد من بين كل 127 ضحية، بينما الولايات المتحدة لديها قتيل واحد من بين كل 320، مما يدفع الزعيم الروسي للاعتقاد بأن الاتحاد السوفييتي والجيش الأحمر قدما المساهمة الرئيسية في هزيمة النازية.

الحشد الاستراتيجي

يرى مراقبون أن اهتمام بوتين بذكرى انتصار الحرب العالمية الثانية يهدف أيضاً إلى تعزيز الحشد القومي، حيث قال في خطابه إن جميع المواطنين الروس يؤيدون الحرب الأوكرانية الحالية، كما سعى لتأكيد فشل الجهود الغربية لعزل روسيا، من خلال رمزية حضور الرئيس الصيني وزعماء آخرين للاحتفالات.

من منصة عملاقة عند ضريح الزعيم لينين، ربط بوتين بين ذكرى الانتصارات في الماضي والصراعات الحالية، حيث وصف الحرب في أوكرانيا بأنها ضد من يسميهم «النازيين الجدد».

ـ واقعة الجاسوس السوفييتي

في سياق متصل، حاول بوتين تصوير تبجيل أوكرانيا لبعض قادتها القوميين الذين تعاونوا مع النازيين في الحرب العالمية الثانية على أنه دليل على تعاطف كييف مع النازية، مشيراً بشكل متكرر إلى شخصيات قومية أوكرانية مثل ستيبان بانديرا، الذي قُتل على يد جاسوس سوفييتي في ميونيخ عام 1959.

القوة العسكرية

بالإضافة إلى المكاسب الدبلوماسية، يشهد استعراض يوم النصر عرضاً للقوة العسكرية، حيث تتضمن المسيرات الضخمة مشاركة آلاف الجنود وعشرات المعدات الثقيلة، بما في ذلك منصات إطلاق متحركة تحمل صواريخ باليستية عابرة للقارات القادرة على حمل رؤوس نووية، تجوب الساحة الحمراء، بينما تحلق فوقها عشرات الطائرات الحربية.

كما تشجع السلطات مظاهرات التاسع من مايو، المعروفة باسم «الفوج الخالد»، حيث يحمل المشاركون صور أقاربهم الذين قاتلوا في الحرب العالمية الثانية، وقد انضم بوتين إلى هذه المسيرات لعدة سنوات، حاملاً صورة والده.

قد يهمك أيضاً :-