كيف تسيطر الخوارزميات على حياتنا من فيسبوك إلى الساحة السياسية العالمية؟

كيف تسيطر الخوارزميات على حياتنا من فيسبوك إلى الساحة السياسية العالمية؟

في زمن تتداخل فيه التكنولوجيا مع موازين القوة، لم تعد القرارات التقنية مجرد خيارات محايدة، بل أصبحت جزءًا من السياسة نفسها، حيث يمكن أن تعيد الخيارات الرقمية تشكيل واقعنا بطرق تفوق قدرتنا على السيطرة، ومع تزايد نفوذ الشركات التكنولوجية، يبرز ضرورة مساءلة من يمتلكون مفاتيح الخوارزميات، ليس كمهندسين فقط، بل كفاعلين سياسيين يؤثرون في مصائر المجتمعات.

يقدم كتاب «أناس مستهترون» بُعدًا يتجاوز المذكرات الشخصية، فهو وثيقة تحليلية مهمة تستكشف العلاقة المعقدة بين التكنولوجيا والسياسة، من خلال تجربة الكاتبة سارة وين-ويليامز في واحدة من أكثر شركات التكنولوجيا تأثيرًا في العالم: فيسبوك (ميتا حاليًا)، حيث تقدم الكاتبة، التي شغلت منصبًا مسؤولًا في قسم السياسات العامة، رؤية داخلية تكشف عن التوترات بين الطموحات المثالية لبناء فضاء رقمي مفتوح والواقع المليء بالمصالح الاقتصادية والضغوط السياسية العابرة للحدود.
تكشف المؤلفة عن آليات صناعة القرار في شركة بحجم وتأثير فيسبوك، موضحة كيف يتم التوفيق بين الضغوط الحكومية والمصالح التجارية، مشيرة إلى أن هذه القرارات لا تتعلق فقط بقضايا تقنية، بل تمس حياة ملايين المستخدمين حول العالم، خاصة في مناطق النزاع والانقسامات العرقية والسياسية.
تتناول سارة وين-ويليامز خطاب الشركة الذي يروّج للحيادية والحرية، وتظهر من خلال أمثلة دقيقة كيف أدت السياسات المعتمدة على الخوارزميات إلى تفاقم العنف والكراهية في مجتمعات هشة، كما يتضح في أزمة الروهينغا، التي تُعتبر علامة بارزة على هشاشة الادعاءات الأخلاقية لفيسبوك.
تحلل المؤلفة طبيعة العلاقة بين الشركات التكنولوجية والسلطات السياسية، مركّزة على المفاوضات التي تتم خلف الأبواب المغلقة، والتي غالبًا ما تؤدي إلى تسويات تمس مبادئ الشفافية وحرية التعبير، ويظهر في الكتاب أن هذه التسويات لم تكن استثناءات، بل أصبحت نمطًا متكررًا في تعامل الشركة مع الدول والأنظمة المختلفة.
تسلط الكاتبة الضوء على الأثر الإنساني العميق لهذه السياسات، من خلال قصص لأشخاص وجماعات تأثرت حياتهم بالقرارات الصادرة من مقار بعيدة لا تعرف شيئًا عن واقعهم، مما يمنح الكتاب قوة أخلاقية، ويضع القارئ في مواجهة مباشرة مع نتائج «الإهمال المؤسسي» عندما يتعلق الأمر بمصائر الناس.
تضيء سارة على جوانب الغموض في بنية العمل الداخلي لفيسبوك، وتنتقد مركزية القرار وضعف المساءلة، مما يؤدي إلى تكرار الأخطاء نفسها في مناطق مختلفة حول العالم، وتعترف بأنها كانت جزءًا من هذا النظام، لكنها تكتب اليوم من موقع يسعى إلى تفكيكه عبر النقد لا الانتقام.
ترتبط الكاتبة بين تجربتها الشخصية ومسار التحولات الكبرى في العلاقة بين التكنولوجيا والقوة، حيث لا تكتفي بتوصيف ما حدث، بل تدعو إلى التفكير الجماعي في بدائل ممكنة تضمن الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا، ضمن أطر قانونية وأخلاقية أكثر توازنًا وعدلاً.
توجه دعوة ضمنية إلى القارئ، خاصة الباحثين والمهتمين بالسياسات العامة وحرية التعبير، للتعمق في فهم دور شركات التكنولوجيا في تشكيل الرأي العام وتوجيه السلوك السياسي والاجتماعي على نطاق واسع، كما تلمح إلى الحاجة الملحة لبناء أطر مساءلة تتجاوز النوايا الحسنة نحو آليات الفعل والمسؤولية، وتحذر من استمرار هذا النهج دون مراجعة، إذ ترى أن الإهمال الذي تتحدث عنه ليس فرديًا، بل مؤسسي الطابع، قابل للتكرار في ظل غياب التوازن بين الربح والمبدأ.

قد يهمك أيضاً :-