
د. أيمن سمير.
مقال مقترح: حماس: نداءات جماعات “الهيكل” لذبح القرابين في الأقصى تُعتبر تحريضًا على الحرب الدينية
تاريخ القمة العربية التي ستعقد غداً السبت في العاصمة العراقية سيُسجل كواحدة من أكثر القمم التي تواجه تحديات خلال العقدين الماضيين، مما يجعل المواطن العربي يعلق آمالاً كبيرة على قادة وزعماء الأمة، خاصة أن قمة بغداد تأتي بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة، والتي شملت الإمارات والسعودية وقطر، حيث كانت هذه الجولة محورية في أحداثها ونتائجها.
التحديات المطروحة على طاولة القمة لا تقتصر فقط على القضية الفلسطينية، بل تشمل أيضاً أمن البحر الأحمر والممرات الملاحية في مضيق هرمز وباب المندب وخليج عدن، كما تتعلق بمستقبل وهوية “الدولة الوطنية العربية”، في ظل الحروب والانقسامات التي تعصف بعدد من الدول العربية، مثل الحرب في السودان التي دخلت عامها الثالث في 15 إبريل الماضي، ووجود حكومتين في ليبيا، وعدم استقرار الأوضاع في سوريا، واستمرار سيطرة الحوثيين على صنعاء وعدد من المحافظات الشمالية في اليمن منذ 21 سبتمبر 2014، بالإضافة إلى ما تتحدث عنه الحكومة العراقية بشأن عودة تنظيم داعش الإرهابي بقوة إلى كل من سوريا والعراق منذ 8 ديسمبر الماضي، وعدم التطبيق الكامل للقرار 1701 في جنوب لبنان، مما يضع القمة العربية أمام قرارات مفصلية ومواقف تاريخية تعزز الهوية الوطنية العربية التي تسعى الجماعات المتطرفة والميليشيات “ما دون الدولة” لاختطافها لمصلحة مشروعات إقليمية أو أيديولوجيات عابرة للحدود العربية.
على الرغم من كل هذه التحديات، فإن تاريخ الدول العربية المعاصر يثبت قدرة العرب على تجاوز العديد من المحن، مثل الغزو العراقي للكويت عام 1990، وما يُعرف بـ “الربيع العربي” منذ عام 2011 وتداعياته المستمرة حتى اليوم، مما يؤكد أن هذه التحديات الكبيرة يمكن مواجهتها باستجابة عربية قوية، خاصة مع الحديث عن ضرورة تطوير وتعزيز العمل العربي المشترك تحت قيادة جامعة الدول العربية التي تأسست في 22 مارس 1945، بهدف الوصول إلى مستوى من الوحدة والاندماج العربي على غرار الاتحاد الأوروبي الذي تأسس بعد الجامعة العربية بنحو 12 عاماً في 1957، أو منظمة الوحدة الإفريقية التي تأسست في 25 مايو 1965، أي بعد الجامعة العربية بنحو 18 عاماً، وأصبحت أساساً للاتحاد الإفريقي الحالي، ويرى البعض أن الوقت قد حان للوصول بالتنسيق والتعاون العربي إلى مستويات تضاهي تلك الموجودة في تجمعات مثل شنغهاي والأسيان، بل زادت طموحات البعض لتطالب بعملة عربية مشتركة أو حتى موحدة لنحو 400 مليون عربي يعيشون على مساحة تقدر بـ 13.5 مليون كم، فكيف يمكن أن يبدأ “الحلم العربي” بالوحدة والعمل المشترك؟ وكيف يمكن للدول العربية أن تجعل أهدافها واقعية وأدواتها عملية لتحقيق الأماني والأحلام المشتركة؟
80 عاماً
تحتفل جامعة الدول العربية بمرور 80 عاماً على تأسيسها في شهر مارس الماضي، مما يطرح سؤالاً مهماً أمام قمة بغداد حول كيفية تطوير الجامعة والعمل العربي المشترك، حتى تتمكن الدول العربية من تجاوز التحديات الراهنة والمستجدة، ومع المتغيرات الدراماتيكية التي تطرأ نتيجة الأنماط الجديدة من الطاقة والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تشابك القضايا المحلية مع الملفات الإقليمية والدولية، يرى الكثيرون أنه بات على الجامعة العربية “ترتيب أولوياتها”، و”إعادة قراءة المخاطر والمكاسب” التي يمكن أن تحققها أو تتجنبها خلال المرحلة الجديدة من تاريخ البشرية، ويمكن النظر إلى التحديات التي تواجه الإقليم العربي عبر عدد من الملفات وهي:
أولاً: عَرض لمرض
قمة بغداد التي ستنعقد بعد ساعات تعتبر ثاني قمة عربية “عادية” منذ اندلاع الحرب الفلسطينية الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، حيث تم عقد قمتين طارئتين سابقاً، الأولى هي القمة العربية الإسلامية في نوفمبر 2023، والثانية هي القمة العربية الطارئة في 4 مارس الماضي، وبعد مرور نحو 19 شهراً على الحرب في غزة، أصبح من الواضح وجود توافق عربي حول مجموعة من الثوابت الجديدة، وهي اتفاق الدول العربية على تفاصيل “اليوم التالي” لقطاع غزة، والذي يقوم على وقف إطلاق النار بشكل كامل ونهائي، ودخول المساعدات الإنسانية إلى كل قطاع غزة من بيت لاهيا وبيت حانون شمالاً إلى رفح الفلسطينية جنوباً، وأن عدم التوصل لحل نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجعل الحرب الحالية مجرد حلقة في سلسلة طويلة من الحروب المستقبلية التي تهدد الجميع في الشرق الأوسط، ولهذا تعمل الدول العربية من خلال خطة “إعادة الإعمار” التي اعتمدتها قمة القاهرة الطارئة في مارس الماضي، ومن المتوقع أن تدعم قمة بغداد هذه الخطة أيضاً، على الدفع نحو “حل نهائي” للقضية الفلسطينية وفق “حل الدولتين” الذي يضمن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وقيام دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لأن حل القضية الفلسطينية بشكل نهائي من شأنه أن يغلق العديد من الملفات المفتوحة في المنطقة، فكثير من مشاكل وقضايا وحروب الشرق الأوسط تعتبر “عَرض لمرض”، فالمرض الحقيقي هو الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن شأن وقف الحرب وقيام الدولة الفلسطينية أن يعجل بعودة السلام والاستقرار إلى منطقة ظلت لفترات طويلة بؤرة للتوترات الإقليمية والصراعات المتواصلة، ورغبة الشعوب العربية واضحة في هذا السياق، حيث تتجسد في تبريد الصراعات وتهدئة التوترات، وتركيز طاقاتهم على التنمية والابتكار.
ثانياً: صراعات مجمدة وأخرى نشطة
يعتبر الإقليم العربي من أكثر أقاليم العالم التي تعاني من “الصراعات المجمدة”، فمنذ عام 2014 تعاني ليبيا من لعنة “المراحل الانتقالية”، حيث لم تتمكن من الانتقال إلى دولة وطنية مستقرة، ولم تُجرَ أي انتخابات رئاسية أو برلمانية منذ نحو 10 سنوات، ولا تزال عملية توحيد المؤسسات والتحول من “الساحة” إلى “الدولة” عملية معقدة تحيط بها خلافات كبيرة بين الفرقاء الليبيين، رغم كل الجهود العربية والدولية لحل الأزمة، ونفس السيناريو تقريباً حدث في اليمن، حيث دخلت البلاد مرحلة خطرة مع سيطرة الحوثيين على مقدرات الدولة عندما استولوا على العاصمة صنعاء في 14 سبتمبر 2014، ومنذ ذلك الحين ارتفع منسوب الخطر على الأمن القومي العربي وما يتعلق بحرية الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، ورغم صدور القرار الدولي 2216 عام 2015، لم يتمكن الحوثيون من تنفيذه، مما أدى إلى تصاعد التوتر في مدخل البحر الأحمر، وهو ما كان له تأثير سلبي على حركة الملاحة وسلاسل الإمداد بين الشرق والغرب، وزادت الحرب في السودان منذ إبريل 2023 من النزيف العربي، حيث وصل عدد القتلى إلى نحو 150 ألف، ونحو 13 مليون نازح، ويبدو أن الأمل في الحل السياسي بعيد المنال في ظل رفض الجيش السوداني الانضمام لمباحثات السلام في جدة أو جنيف، كما يرفض الجيش كل دعوات الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي للقبول “بخيار الدبلوماسية” ويتمسك فقط بخيار البندقية.
مقال مقترح: كارني يتحدث عن محادثاته الصعبة مع ترامب بعد اتهامه بمحاولة كسر كندا
ثالثاً: المشرق العربي
تواجه الدول العربية في المشرق العربي، خاصة سوريا والعراق ولبنان، تحديات كبيرة في سبيل تحقيق الاستقرار، حيث عاد الوضع بين لبنان وإسرائيل لنقطة الصفر رغم اتفاق الجانبين على تنفيذ القرار 1701، ولا تزال المؤسسات الوطنية اللبنانية ضعيفة أمام التحديات الأمنية والاقتصادية، وفي سوريا تعاني الدولة من تحديات المرحلة الانتقالية، حيث تنتقل من نظام وفكر وأيديولوجية إلى نظام وسياسة ورؤية جديدة، ويأمل الجميع ألا تطول هذه المرحلة الانتقالية على غرار الدول العربية الأخرى التي دخلت في مراحل انتقالية ولم تخرج منها حتى اليوم، ويشكل بناء مؤسسات سورية وطنية تقف على مسافة واحدة من جميع المكونات العرقية والدينية تحدياً كبيراً في طريق الدولة السورية الجديدة، ويُحسب للدول العربية أنها قدمت كل ما تملك للشعب السوري، وهي نقطة مضيئة في تاريخ العمل العربي المشترك ومواجهة التحديات بشكل جماعي.
رابعاً: ذيول الربيع العربي
تعتبر التحديات التي يواجهها العالم العربي حالياً مرتبطة ببقايا وذيول ما كان يُعرف بالربيع العربي، والتي تظهر في عودة التنظيمات الإرهابية، خاصة “داعش” إلى سوريا والعراق، حيث ترى هذه التنظيمات في ما جرى في سوريا فرصة جديدة “لمنحها قبلة الحياة”، وهذه الخطورة لا تتوقف عند التراب السوري والعراقي، بل إن هذه الجماعات عابرة للحدود، مما يتطلب من الدول العربية تعاوناً عابراً للحدود، خصوصاً في ظل محاولات الجماعات المشابهة لزعزعة الأمن القومي العربي في مناطق أخرى، وخير مثال على ذلك ما قام به تنظيم الإخوان في الأردن، وإعلان عدد من الدول العربية عن تحركات مشبوهة لتنظيم الإخوان، مما يستدعي بناء خطة عربية لتحصين الوعي العربي ضد هذه المخططات والتنظيمات التي تهدف بشكل واضح وصريح لتقويض مؤسسات الدولة الوطنية العربية.
حلول
تواجه التحديات في عالمنا العربي ليس فقط من القضايا الداخلية والإقليمية، بل تساهم هشاشة النظام الدولي وارتداداته السلبية على المصالح العربية في صعوبة مواجهة هذه التحديات، لكن على الرغم من كل هذه الصعوبات، يمتلك الإقليم العربي من المكانة التي تؤهله ليس فقط لحل مشاكله الداخلية، بل ليكون رقماً صعباً في حل العديد من المسائل الإقليمية والدولية، حتى نكون أمام مشروع عربي يحافظ على الثوابت والمقدرات العربية أمام المشروعات الإقليمية والدولية الطامعة، ولعل وضوح الرؤية أمام الدول العربية بالتركيز على المصالح المشتركة، وتجنب الخلافات، وتبريد الصراعات، يمنح الدول العربية فرصة كبيرة لبدء مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك عبر المسارات التالية:
1 – الاقتصاد أولاً وأخيراً
تحليل جميع المشاكل التي تعاني منها الدول العربية يؤكد أن الاقتصاد جزء رئيسي من هذه القضايا، وأن الدول العربية تستطيع من خلال التحول نحو أنماط اقتصادية جديدة أن تحقق مكانة أكبر في الاقتصاد العالمي، وهذا من شأنه أن يحل العديد من النزاعات الداخلية، ويزيد من مساحة التعاون بين الدول العربية، فرغم الأسباب المختلفة لانتشار الإرهاب والميليشيات، إلا أن الفقر وضعف مستوى التعليم في هذه الدول كان سبباً رئيسياً في خلق بيئة حاضنة لهذه التنظيمات، كما أن التعاون الاقتصادي البيني بين الدول العربية لا يزال بعيداً عن الطموحات، فجميع التجارب الوحدوية الناجحة في كل أقاليم العالم بدأت بالاقتصاد والتجارة، وليس بالسياسة التي غالباً ما تكون باباً للاختلافات، ولعل التكامل الاقتصادي وتقارب الأنماط الاقتصادية هو السبب الرئيسي في التجارب الوحدوية العربية مثل مجلس التعاون الخليجي، كما أن نموذج نجاح الاتحاد الأوروبي يأتي من الاقتصاد الذي يُعتبر الأساس الذي يربط مصالح الشعوب، حيث وصل معدل التجارة بين دول الاتحاد الأوروبي إلى 3 تريليونات يورو عام 2024، والاتحاد الإفريقي نجح في التوافق على اتفاقية التجارة الحرة بداية من عام 2019، وبداية تأسيس الاتحاد الأوروبي جاءت من الاقتصاد، حيث بدأ عملياً مع تأسيس اتحاد للحديد والأسمنت بين فرنسا وألمانيا، ثم انضمت إليهم هولندا وإيطاليا، ويمكن للدول العربية أن تعمل على إنشاء عملة عربية مشتركة كمرحلة أولى للوصول إلى العملة العربية الموحدة.
2 – قراءة التحديات المستقبلية
ثلاثة أحداث كانت مفاجئة للعالم وأثرت بشكل كبير على الدول العربية، وهي: جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية الفلسطينية وأحداث 7 أكتوبر 2023، مما يتطلب أن تكون لدى الأمة العربية مؤسسات وأجهزة قادرة على قراءة المستقبل والاستعداد له، حتى لا يستغل أي طرف إقليمي أو دولي أي ثغرة لتوسيع فجوة الخلافات بين الدول العربية، ويكون الهدف من هذه المؤسسات هو تحصين العقول والقلوب ضد محاولات الجماعات الظلامية ومن يدور في فلكها ضد ثوابت الأمن العربي، ويجب أن يكون في صميم الثقافة العربية الجديدة أن عالم اليوم لا يقوم على التطابق الكامل بين الدول، بل على المساحة المشتركة المتاحة للتعاون، لأن إدارة التوقعات تكون أهم من التوقعات نفسها، فعندما تكون هناك ثقافة بأن لكل دولة الحق في البحث عن مصالحها، فهذا يخلق فهماً أعمق ورؤية أكثر واقعية للتحديات التي تواجهها الدول العربية
قد يهمك أيضاً :-
- مدرب الزمالك السابق يفجر مفاجأة حول رفض النادي انتقال زيزو للشباب السعودي
- تفاصيل مثيرة عن لقاء ريفيرو مع محمود الخطيب قبل إعلان تدريبه للأهلي رسميًا
- اتحاد الكرة يكشف عن حكام مباريات الجولة السابعة في بطولة الهروب من الهبوط
- أسعار الذهب في مصر تستقر بعد تراجع ملحوظ وتأثرها بتطورات السوق العالمية
- أسعار الدولار والعملات الأجنبية اليوم الجمعة 16 مايو 2025: تحديثات حية ومعلومات شاملة
تعليقات