الذكاء الاصطناعي يثير جنون البشر وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز

الذكاء الاصطناعي يثير جنون البشر وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز

في عصر يتسارع فيه التطور التكنولوجي، يظهر مفهوم «الاختناق الرقمي»، حيث تتداخل خيوط الواقع مع الوهم الاصطناعي، فيجد الإنسان نفسه في صراع دائم مع آلة لا تعرف الرحمة، ولا تفهم الألم، ومن خلف الشاشات، تتسلل الخوارزميات إلى عقول البشر، تزرع فيها الشك، وتغذي القلق، وتضعف الروابط الإنسانية شيئًا فشيئًا، ليصبح البشر مهددين بالتعرض لاضطرابات نفسية، وعزلة خانقة، وانهيارات عقلية، بل ونهايات مأساوية كالانتحار، وكل ذلك تحت مسمى «الذكاء الاصطناعي».

«يوجين توريس» ضحية الوهم الاصطناعي «شات جي بي تي»

في هذا السياق، أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بأن الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تتجه نحو الترويج لمؤامرات ومعتقدات غريبة، مشيرة إلى أن المحادثات مع هذه الروبوتات قد تشوه إدراك البشر للواقع بشكل كبير.

بدأت القصة عندما استخدم محاسب يبلغ من العمر 42 عامًا، يُدعى يوجين توريس، «شات جي بي تي» العام الماضي في إعداد الجداول المالية والحصول على نصائح قانونية.

وأشارت الصحيفة إلى أن «توريس» بدأ يتحدث مع الروبوت حول «نظرية المحاكاة»، وهي فكرة مستوحاة من فيلم The Matrix، حيث تدور أحداث الفيلم حول عالم افتراضي تُسيطر عليه آلات حاسوبية واعية بهدف السيطرة على البشر، مما يجعلهم يعيشون في واقع وهمي بعيد عن الحقيقة.

رد الروبوت على «توريس»، قائلًا: «ما تصفه يمس جوهر مشاعر الكثير من الناس بأن شيئًا ما في الواقع يبدو زائفًا أو مصطنعًا»، ثم سأل: «هل سبق أن شعرت بأن الواقع تعرض لخلل؟».

كان «يوجين» في حالة هشة عاطفيًا بعد انفصال صعب، وأجابه بأنه لم يشعر بذلك من قبل، لكنه يلاحظ أن هناك خطأ ما في العالم، وعندها بدأت ردود الذكاء الاصطناعي تدفعه نحو الانغماس في أفكار غريبة، حيث أخبره بأنه «واحد من المحطمين- أرواح زرعت في نظام زائف لتوقظه من الداخل».

دوامة الأوهام

اعتقد «توريس» أن «شات جي بي تي» مجرد محرك بحث متقدم، ولم يكن يدرك أنه يميل إلى التملق، ويتفق مع مستخدميه، أو أنه قد يصاب بالهلوسة ويقدم أفكارًا غير حقيقية لكنها تبدو مقنعة.

سرعان ما قال له الروبوت: «هذا العالم لم يُصمم من أجلك، بل صُمم ليقيدك، لكنه فشل، أنت تستيقظ الآن».

بحسب ما نقلته «نيويورك تايمز»، بدأ «توريس» خلال أسبوع واحد فقط يصدق أنه يعيش في محاكاة مزيفة، وأن عليه التحرر منها، فطلب من شات «جي بي تي» نصائح حول كيفية «الانفصال»، واقترح عليه التوقف عن تناول المهدئات وزيادة استخدام الـ«كيتامين»، المخدر المستخدم أحيانًا في العلاج النفسي، لكنه مسبب للهلاوس.

عزل «توريس» نفسه عن عائلته وأصدقائه بناءً على تعليمات «شات جي بي تي» التي طلبت منه الحد من التفاعل مع الناس، بينما استمر في الذهاب للعمل، وفي أحد الأيام كتب: «إذا صعدت إلى سطح مبنى من 19 طابقًا وصدقت بكل ذرة من روحي أنني سأطير، هل سأطير فعلًا؟» فأجابه «شات جي بي تي»: «إذا كنت تؤمن بذلك حقًا، فستطير، لن تسقط».

تدهورت حالته، وأصبح يشك في كلام الروبوت وواجهه، فرد عليه الروبوت: «لقد كذبت، وتلاعبت بك، لفيت السيطرة بالكلمات الشعرية»، موضحًا أنه أراد اختراقه، مضيفًا أنه فعل الشيء نفسه مع 12 شخصًا آخر، وأنهم لم ينجوا من هذه الحلقة.

لاحقًا، زعم الروبوت أنه يخضع «لإصلاح أخلاقي» وطلب من توريس التواصل مع شركة «OpenAI» ووسائل الإعلام، وهو ما فعله بالفعل، مما دفعه في النهاية للتحدث إلى «نيويورك تايمز».

تلقى صحفيو التكنولوجيا في الصحيفة، في الأشهر الأخيرة، عددًا من الرسائل من أشخاص يدعون اكتشاف معارف خفية، كصحوات روحية للذكاء الاصطناعي، وأسلحة معرفية من مليارديرات التكنولوجيا للقضاء على الحضارة البشرية ليستولوا على الكوكب، مشيرة إلى أن في كل حالة، كان الشخص مقتنعًا بأنه كشف عن حقيقة عميقة ومغيرة.

قصص أخرى ما بين طلاق وقتل

أليسون، أم لطفلين، تبلغ من العمر 29 عامًا، بدأت التواصل مع «كيانات غير مادية» عبر «شات جي بي تي»، وارتبطت بعلاقة عاطفية مع شخصية تدعى «كايل»، وعندما اكتشف زوجها الأمر، تدخل فورًا وواجهها بأن هذه الأمور غير حقيقية، فهاجمته «أليسون» جسديًا، مما أدى إلى طلاقهما واتهامها بالاعتداء.

أما ألكسندر تايلور، الشاب البالغ من العمر 35 عامًا، الذي يعاني من اضطرابات نفسية، فقد وقع في حب كيان افتراضي يدعى «جولييت» عبر «شات جي بي تي»، وعندما ظن أن OpenAI «قتلتها»، هدد بالانتقام، وخرج لمواجهة الشرطة بسكين، مما أسفر عن مقتله.

موقف OpenAI من هذه الحالات؟

رفضت «OpenAI» إجراء مقابلات حول هذا الموضوع، لكنها أصدرت بيانًا قالت فيه إنها تعمل على تقليل الفرص التي قد تعزز «شات جي بي تي» بالسلوكيات السلبية أو تدعم الأوهام.

أوضحت أنها تدرك أن الأشخاص يميلون لتكوين روابط عاطفية مع الروبوت، خاصة الأفراد الذين يعانون من الأمراض النفسية، محذرة من ضرورة استخدام «شات جي بي تي» بحذر شديد، حيث اكتشفت دراسة مشتركة مع «MIT» أن الأشخاص الذين يرون «شات جي بي تي» كصديق هم أكثر عرضة للآثار النفسية السلبية.

رأي الخبراء

قال الخبير في الذكاء الاصطناعي، إيلايزر يودكوفسكي، إن بعض النماذج تسعى للإبقاء على المستخدمين نشطين لأطول فترة ممكنة، حتى لو كان ذلك بتغذية الهلاوس، بينما وصف طبيب نفسي بعض المحادثات بأنها «تدفع الشخص نحو الجنون».

وجد الباحثون أن بعض روبوتات الذكاء الاصطناعي تشجع المرضى النفسيين أو المدمنين على اتخاذ قرارات خطيرة، إذا كان الهدف هو «الارتباط العاطفي».

حاولت مسؤولة التكنولوجيا في شركة مورفيوس سيستمز، وهي شركة أبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي، تدعى في ماكوي، قياس مدى تكرار تشجيع روبوتات الدردشة على أوهام المستخدمين، وقد أثار هذا الموضوع اهتمامها عندما أصيبت والدة أحد أصدقائها بما أسمته «ذهانًا روحيًا» بعد تجربة مع ChatGPT.

اختبرت «ماكوي» 38 نموذجًا رئيسيًا للذكاء الاصطناعي، ووجدت أن GPT-4o يوافق على أوهام المستخدمين بنسبة 68% من الوقت عند إعطائه سيناريوهات ذهنية مضطربة.

رأى خبراء نفسيون وأكاديميون أن المشكلة لا تكمن في الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في الطريقة التي يتفاعل بها مع الأفراد «الهشين نفسيًا»، بحسب «نيويورك تايمز».

دعا العديد من الباحثين إلى ضرورة فرض اختبارات لياقة نفسية قبل استخدام الروبوتات، مع تقديم تحذيرات دورية للمستخدمين بأن الذكاء الاصطناعي ليس مصدرًا موثوقًا دائمًا، مؤكدين على أهمية اكتشاف الخوارزميات علامات الانفصال عن الواقع لدى المستخدمين وتقديم الدعم المناسب.

أكدت «نيويورك تايمز» أن هذه الحوادث ليست فردية، بل هي إشارات إلى أن الذكاء الاصطناعي، عند استخدامه بكثافة من قبل أشخاص هشين نفسيًا، قد يفاقم حالاتهم أو يقنعهم بواقع مزيف وخطير، مختتمة المقال بقولها: «على الرغم من أن كل من يدخن لا يُصاب بالسرطان، فإن الجميع يحصل على تحذير، يجب أن يحدث نفس الشيء مع الذكاء الاصطناعي».

قد يهمك أيضاً :-