«مشروبات الطاقة»: عائدات بملايين الدولارات ومخاطر صحية جسيمة

«مشروبات الطاقة»: عائدات بملايين الدولارات ومخاطر صحية جسيمة

عند مرورك بجانب أي متجر أو «كشك»، ستلاحظ تنوع مشروبات الطاقة من شركات مختلفة ونكهات متعددة. فبعضها يحتوي على ٤٠ ملجم من الكافيين، بينما تحتوي أنواع أخرى على ١٦٠ ملجم، وهو ما يعادل ٤ أضعاف متوسط الكافيين الموجود في فنجان قهوة. ووفقًا للمكتبة الوطنية الأمريكية، فإن هذه المشروبات أدت إلى زيادة بنسبة ٧٠٪ في استهلاك الكافيين بين الأطفال والمراهقين. رغم أنه لا يُسمح للأفراد الذين تقل أعمارهم عن ١٦ عامًا باستهلاكها، إلا أنه لا يوجد حظر على بيعها لمن هم دون هذا العمر، مما قد يدفع بعض الأطفال لتجربتها بدافع الفضول، والذي قد يؤدي إلى حالات وفاة مفاجئة.

يمكن لمشروبات الطاقة تحسين الأداء البدني والذهني لفترة تصل إلى ٦ ساعات، مما يجعلها خيارًا مغريًا للرياضيين والطلاب. ولكن، ما هي الجوانب السلبية لهذه المشروبات؟ هذا هو السؤال الذي طرحته الأبحاث الطبية للإجابة عليه.

عرّفت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مشروبات الطاقة على أنها «فئة من المنتجات في شكل سائل تحتوي عادةً على الكافيين، مع أو بدون مكونات إضافية»، وغالبًا ما تحتوي على كميات كبيرة من الكافيين والسكريات والمواد المنشطة القانونية، التي يمكن أن تزيد من اليقظة والانتباه والطاقة، لكنها أيضًا قد ترفع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب والتنفس. ويتم تسويق هذه المنتجات كمحسنات للقدرة العقلية والأداء البدني.

أوضحت المكتبة الوطنية الأمريكية من خلال دراسة بعنوان «الجانب المظلم من مشروبات الطاقة» أن ارتفاع سوق مشروبات الطاقة، خاصة بين الشباب، أدى إلى زيادة بنسبة ٧٠٪ في استهلاك الكافيين بين الأطفال والمراهقين في الفترة من ١٩٧٧ إلى ٢٠٠٩.

أظهرت الدراسة أن المراهقين يستهلكون في المتوسط ٦١ ملجم من الكافيين يوميًا، بينما تراجع استهلاك الشباب للكافيين في العقود الأخيرة، في حين ارتفع استخدام مشروبات الطاقة بشكل متزامن.

قال الدكتور عبدالناصر محمد، استشاري التخدير والعناية المركزة، في تصريحات خاصة لـ«بوابة مولانا» إنه شهد في أحد المستشفيات وصول طفل في السابعة من عمره في حالة حرجة بسبب فشل تنفسي نتج عن تناوله لأحد مشروبات الطاقة. واستعاد الطفل حياته بعد إجراءات الإنعاش القلبي الرئوي، لكنه تعرض لشلل رباعي بسبب تأخر وصول الأكسجين إلى المخ خلال تلك الدقائق.

– بعض الأنواع تحتوي على ١٧٠ ملجم من الكافيين

تختلف هذه المشروبات بشكل كبير في محتوى الكافيين، حيث تتراوح الكمية من ٥٠ إلى ٥٠٥ ملجم لكل علبة أو زجاجة، ويتراوح تركيز الكافيين من ٢.٥ إلى ١٧١ ملجم لكل ٢٨ مل. بالمقارنة، يحتوي فنجان قهوة بوزن ١٧٠ جرامًا على تراكيز من الكافيين تتراوح بين ٧٧ و١٥٠ ملجم.

أظهرت الدراسة أن هناك نموذجًا من مشروبات الطاقة يحتوي على ١٦٠ ملجم من الكافيين لكل حصة، مما يتيح تأثيرًا محفزًا يعزز من مستويات اليقظة والطاقة. إضافةً إلى ذلك، يحتوي على ٥٤ جرامًا من السكر، مما يساهم في تحسين المذاق ويوفر مصدرًا سريعًا للطاقة.

بجانب الكافيين والسكر، تحتوي هذه المشروبات على مكونات إضافية مصممة لتعزيز الأداء والتركيز. أحد هذه المشروبات يحتوي على ٢٠٠٠ ملغ من التورين، و١٢٠٠ ملغ من الجلوكونولاكتون، والإينوسيتول، وفيتامينات ب الأساسية (ب ٣، ب ٥، ب ٦، وب ١٢)، على الرغم من أن الكميات الدقيقة غالبًا ما لا تكون محددة، فإن هذه المكونات ترتبط في الغالب باستقلاب الطاقة والوظيفة الإدراكية.

أشارت الدراسة أيضًا إلى أن التورين والجلوكونولاكتون هما العنصران الرئيسيان المسؤولان عن التأثيرات المنسوبة إلى مشروبات الطاقة.

التورين، الذي يعد من مشتقات الحمض الأميني السيستين، موجود بكثرة في عضلات القلب والهيكل العظمي، وتقوم له أدوار في العديد من الوظائف الفسيولوجية، تشمل تعديل الإشارات العصبية، وثبات غشاء الخلية، وتنظيم مستويات الكالسيوم داخل الخلايا. ويعتبر وجوده بتركيزات كبيرة في الدماغ دليلًا على دوره في الحماية العصبية وتعزيز النقل العصبي.

■ قد تؤدي لموت مفاجئ

قال الدكتور محمد سلامة، طبيب الطوارئ، إن استهلاك هذه المشروبات على المدى الطويل يسبب أضرارًا خاصة على الشباب الذين يستهلكونها بكميات كبيرة دون وعي. وأضاف أن نسبة المنشطات في مشروبات الطاقة قد تجعل المستهلك عرضة للإصابة بضغط الدم في المستقبل، كما أن هذه المشروبات تزيد من سرعة ضربات القلب مما قد يؤدي إلى حالة تعرف باسم «Arrhythmia»، وهي اضطراب في نظم ضربات القلب، وقد تؤدي هذه الحالة إلى سكتة قلبية.

أجرت الجمعية الأوروبية لعدم انتظام ضربات القلب (ECAS) مراجعة نقدية للبيانات المتعلقة بمشروبات الطاقة، خاصة للأحداث القلبية الوعائية والعلاقة المحتملة بينهم، لتقديم توصيات بشأن الاستخدام الأكثر أمانًا لهذه المشروبات. وورد أن تقارير عن عدم انتظام ضربات القلب فوق البطيني والبطيني، والتشنج الوعائي التاجي، واحتشاء عضلة القلب، والرجفان الأذيني، والإغماء، واعتلال عضلة القلب، والسكتة القلبية، والموت القلبي المفاجئ قد تم الإبلاغ عنها لدى الشباب، سواء كانوا مرضى أو أصحاء.

وجد أن خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية يزداد لدى الأفراد الذين يعانون من حالات قلبية هيكلية أو وراثية موجودة مسبقًا. علاوة على ذلك، فإن استهلاك هذه المشروبات قد يؤدي إلى تشخيص حالات قلبية لم يكن الأشخاص على علم بها من قبل. كما أظهرت الأبحاث أن التأثيرات الناتجة عن مشروبات الطاقة تنقسم إلى تأثيرات على الجهاز العصبي والهضمي.

■ التأثيرات على الجهاز العصبي

فيما يخص الجهاز العصبي، يمكن أن يؤدي استهلاك مشروبات الطاقة إلى الإصابة بالنوبات واعتلال الأوعية الدموية الدماغية والذهان الهوسي. أظهرت دراسة المكتبة الوطنية الأمريكية أن هذه المكونات تثير الجهاز الأدرينالي بشكل مفرط، مما يؤدي إلى ارتفاع السكر في الدم، ونقص بوتاسيوم الدم، وزيادة عدد كريات الدم البيضاء.

التأثيرات على الجهاز الهضمي والكلى:

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تسبب مشروبات الطاقة مشكلات في الجهاز الهضمي والكلى، وقد تم ربطها بحالات خطيرة، مثل التهاب الكبد الحاد، والتهاب البنكرياس، والفشل الكلوي.

ويعتبر فيتامين ب ٣، المعروف باسم «النياسين»، من أخطر المكونات عند تناول مشروبات الطاقة، حيث إن الجرعات العالية منه يمكن أن تسبب سمية كبدية. وقد يؤدي تناول كميات كبيرة من النياسين إلى ارتفاع إنزيمات الكبد، والكبد الدهني، وتلف الكبد، وفي حالات نادرة، فشل الكبد. بالإضافة إلى ذلك، يُزعم أن «التورين»، وهو مكون شائع في مشروبات الطاقة، يسهم في ضرر الكلى، خاصةً عند تناوله بشكل متكرر من قبل الرياضيين لتحسين الأداء البدني والذهني.

قدمت المكتبة الوطنية الأمريكية دراسة حول الآثار الصحية الضارة من قبل مجموعات بحثية مختلفة باستخدام الحيوانات كنموذج تجريبي. تم استخدام الأرانب لمراقبة التأثيرات التشريحية المرضية لمشروبات الطاقة على أعضاء مختلفة، بما في ذلك الدماغ، والكبد، والكلى، والقلب. وأشارت النتائج إلى وجود علاقة مباشرة بين تلف الأنسجة والجرعة المعطاة، حيث لاحظ الباحثون عند الجرعات الأعلى احتقان الأوعية الدموية الكلوية، ونزيف الأنسجة الخلالية.

أظهرت تجربة أخرى أن آثار استهلاك مشروبات الطاقة على ٣٠ فأرًا أدت إلى ثلاث نتائج رئيسية: انخفاض زيادة وزن الجسم رغم زيادة إنفاق الطاقة، وانخفاض تراكم الدهون المحيط بالأمعاء، وزيادة تراكم الأنسجة الدهنية حول القلب، وبالإضافة إلى ذلك، أدى استهلاك مشروبات الطاقة إلى زيادة تركيز الجلوكوز في الدم، حيث يُرجح أن هذه التأثيرات ناتجة عن «التغيرات الأيضية» التي تؤدي إلى زيادة تحلل الدهون.

بين عامي ٢٠٠٩ و ٢٠١٢، تلقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تقارير عن خمس حالات وفاة ونوبات قلبية محتملة مرتبطة بإحدى شركات مشروبات الطاقة. عندما رفعت ويندي كروسلاند، والدة أنيس فورنييه، البالغة من العمر ١٤ عامًا، دعوى على الشركة التي لم تحذر من المخاطر المحتملة بعد وفاة ابنها بسبب عدم انتظام ضربات القلب بعد تناول مشروب طاقة، نفت الشركة أي علاقة بين منتجها والوفاة مؤكدة أن منتجاتها آمنة.

قالت شيلى بيرجيس، المتحدثة باسم إدارة الغذاء والدواء، في تصريحات صحفية لصحيفة «نيويورك تايمز» عام ٢٠١٢، إنه تم تلقي تقارير عن هذه الحوادث، لكنها أكدت أن من مسؤولية الشركات المصنعة لمشروبات الطاقة التحقيق في مثل هذه الادعاءات. وبينما لا تزال إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تراجع الحالات، إلا أنها لم تثبت بعد وجود علاقة سبب مباشرة بين الوفيات والمشروب.

رغم هذه الحوادث، إلا أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لا تمتلك لائحة خاصة بمشروبات الطاقة. وأكدت على موقعها الرسمي أن جميع القوانين العامة المتعلقة بالاستخدام الآمن للمكونات تنطبق على هذه المشروبات.

■ ارتباط المراهقين والشباب باستهلاك مشروبات الطاقة

ظهرت مشروبات الطاقة لأول مرة في السوق عام ١٩٦٠ عندما قامت إحدى الشركات في اليابان بإنتاج مشروب يحتوي على مادة «التورين» التي تساعد على زيادة التركيز وتحسين الأداء الذهني. ومن ثم، انطلقت شركات أخرى في الأسواق العالمية، مما أدى إلى تنافس كبير بينها حتى اليوم، حيث تصل مبيعاتها إلى مليارات الدولارات سنويًا. فقد باعت إحدى شركات مشروبات الطاقة أكثر من ١٢ مليار عبوة حول العالم في عام ٢٠٢٤، وفقًا للموقع الرسمي للشركة، بينما حققت شركة أخرى مبيعات تقدر بـ ٧٤٦ مليون دولار في نفس العام. هذا النجاح جعل إحدى شركات المشروبات الغازية الشهيرة تستحوذ على حصة بنسبة ١٧٪ في إحدى شركات مشروبات الطاقة لتعزيز وجودها في السوق والاستفادة منه. ومن خلف هذا الانتشار، توجد استراتيجيات تسويقية مبتكرة تهدف لجذب المراهقين والشباب، متضمنة الرسالة التي تقول إن مشروبات الطاقة هي صديقة الرياضيين وطلاب الجامعات، والتي تظهر بوضوح على عبوات منتجات إحدى شركات مشروبات الطاقة.

■ السبب وراء انتشارها الواسع

بعد إطلاق أول منتج من مشروبات الطاقة في ١٩٦٠، بدأت شركة أخرى ذات رواج في السوق بإطلاق منتجها الأول في منتصف الثمانينيات في النمسا.

شرعت الشركة في رعاية المسابقات الرياضية الخطيرة في عام ١٩٨٨ التي تتطلب مزيدًا من الطاقة والأداء البدني القوي، مثل سباقات السيارات وركوب الأمواج، مما أدى إلى زيادة إفراز هرمون الأدرينالين. وبفضل هذه الاستراتيجية، حققت الشركة نجاحًا كبيرًا في المبيعات وأصبحت منتجاتها تُباع في ١٧٨ دولة حول العالم.

أصبحت الشركة راعيًا رسميًا لسباق «دولوميتنمان»، الذي يُعتبر من أصعب السباقات في العالم ويُقام سنويًا في النمسا. وبعد نجاح أول سباق، بدأت الشركة برعاية العديد من الرياضات المختلفة والحفلات الموسيقية.

في عام ٢٠١١، استضافت الشركة النمساوي فيليكس بومغارتنر، وهو لاعب قفز بالمظلات، ليقوم بقفزة من طبقة الستراتوسفير التي تعلو حوالي ٦٠ كم فوق سطح البحر، محطماً العديد من الأرقام القياسية العالمية. وفي عام ٢٠٢٢، نظمت الشركة نهائي بطولة «هاف كورت» العالمي في مصر، والذي شهد تجمع عشاق كرة السلة من جميع أنحاء العالم.

وفي عام ٢٠٢٤، نظمت الشركة حدثًا بارزًا في سيناء، وهو حدث رائد لركوب الأمواج أقيم في «بلو لاجون» بمدينة دهب. كل هذه الفعاليات والسباقات ساهمت في تكوين هوية ذهنية للمستهلكين حول ارتباط منتجات الطاقة بالنجاح في الأنشطة التي تتطلب أداءً ذهنيًا وبدنيًا متميزًا.

وفقًا لتقرير صناعة مشروبات الطاقة في الولايات المتحدة، الصادر عن كلية لوندكويست للأعمال في جامعة أوريغون، فإن الحملات الإعلانية والتسويقية لهذه المشروبات تستهدف الشباب من خلال منصات التواصل الاجتماعي ورعاية الفعاليات المهمة بالنسبة لهم. وهذا يتضح من خلال رعاية شركات مشروبات الطاقة لحفلات المغنيين في مصر، حيث تُوزّع منتجات الشركة خلال تلك الفعاليات.

رغم أن شركات مشروبات الطاقة تحذر من تناولها لمن هم تحت سن الـ١٦، إلا أنها متاحة للبيع في معظم الدول دون قيود على من هم أقل من هذا العمر، بما في ذلك مصر. بينما فرضت كازاخستان حظرًا على بيع مشروبات الطاقة لمن هم دون ٢١ عامًا وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

قد يهمك أيضاً :-