
أحلام مستغانمي، التي يحتفل بعيد ميلادها اليوم، ليست مجرد كاتبة، بل هي ذاكرة حية لجيل كامل، جيل عاش بين وقع الرصاص وصدى القصائد، بين فقدان الوطن وفقدان الحبيب.
ولدت أحلام مستغانمي في 13 أبريل 1953، في تونس، حيث كانت عائلتها لاجئة هربًا من قمع الاستعمار الفرنسي بسبب نشاط والدها السياسي. كان والدها، محمد الشريف مستغانمي، مناضلاً جزائريًا شارك في الثورة وكان من بين أول المعتقلين السياسيين، مما جعل الوطنية تؤثر في حياتها منذ نعومة أظفارها. وجدت في تربيتها مزيجًا من الصمت الذي فرضه القمع، والصوت الذي علمها والدها أن تحافظ عليه مهما كلفها الأمر.
بعد الاستقلال، عادت العائلة إلى الجزائر حيث بدأت أحلام مسيرتها في مجتمع كان لا يزال يعيد بناء ذاته بعد الاستعمار. درست الفلسفة في جامعة الجزائر، وحققت إنجازًا كبيرًا كأول امرأة جزائرية تقدم برنامجًا إذاعيًا باللغة العربية يحمل اسم “همسات”، الذي حظي بشعبية كبيرة، خصوصًا بين الشباب. لكن نجاحها هذا أثار حسد بعض الأشخاص مما اضطرها لمغادرة الجزائر إلى باريس، بحثًا عن حرية التعبير والكتابة.
في المنفى الباريسي، بدأت أحلام مسيرتها الأدبية الحقيقية، حيث أصدرت رواية “ذاكرة الجسد” عام 1993، وهو العمل الذي أحدث تحولًا كبيرًا في الأدب العربي النسوي. حتى نزار قباني صرح عنها قائلاً: “روايتها دوختني.. أنا نادراً ما أشعر بالدوار أمام رواية، والسبب يأتي من مدى تطابق النص مع تجربتي. إنه مجنون، متوتر، متمرد، إنساني، شهواني وغير تقليدي مثلي.. لو طُلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية العظيمة، لما ترددت للحظة واحدة.” ويواصل قائلاً: “هل كانت أحلام مستغانمي في روايتها (تكتبني) دون أن تدرك؟ لقد كانت تحاكي الورقة البيضاء بجمال وشراسة جنونية. الرواية تمثل قصيدة مكتوبة على مختلف البحور، من بحر الحب والحياة السياسية والثورة الجزائرية، وهذه الرواية لا تختصر (ذاكرة الجسد) فقط، بل تلخص تاريخ الألم الجزائري والحزن، وعندما تحدثت عن رأيي في رواية أحلام لصديقي سهيل إدريس، قال لي: لا ترفع صوتك، لأن أحلام إن سمعت كلماتك الجميلة، ستفقد عقله.” فرددت: دعها تفقد عقله، لأن الأعمال الإبداعية العظيمة لا يكتبها إلا المجانين.
توالت بعدها أعمالها: “فوضى الحواس”، “عابر سرير”، “نسيان.com”، و”الأسود يليق بكِ”، حيث تناولت موضوعات وطنية، حنين، فقد، ونساء تراهن لا ينكسرن رغم الحب، فاستعملت اللغة العربية كمسكن للألم وملاذ للضعفاء والحالمين.
أحلام مستغانمي ليست مجرد كاتبة تبيع ملايين النسخ، بل تعتبر أيقونة ثقافية تحمل في قلمها جراح الوطن وبكاء الأنثى وآمال الشعب، وتدرس أعمالها في الجامعات وتُترجم إلى عدة لغات، وتُقرأ كما لو كانت مرآة تعكس قلوبنا.
في عيد ميلادها، نحتفل ليس فقط بكاتبة، بل بقصة شاملة، امرأة عاشت بين المنفى والمنفى، وقررت أن تجعل من الأدب وطنًا، ومن الحبر سلاحًا، ومن الذاكرة بيتًا لكل من يسعى للانتماء.
تعليقات