التجارة العالمية في منعطف حاسم: آثار تتجاوز الرسوم الجمركية

التجارة العالمية في منعطف حاسم: آثار تتجاوز الرسوم الجمركية

تم تحديثه الإثنين 2025/4/14 01:00 ص بتوقيت أبوظبي

بعد التراجع المفاجئ لإدارة ترامب عن سياساتها الجمركية، بعث البيت الأبيض برسالة حاسمة، مفادها أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك التجاري الأكثر جاذبية على مستوى العالم.

وأوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن العالم يتجه صوب واشنطن، حيث يحتاجون إلى أسواقها ومستهلكيها وقيادتها.

ووفقًا لتقرير صحيفة “فايننشال تايمز”، فإن المشاعر في العواصم الأخرى كانت مغايرة تمامًا. فمنذ إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، سعى المسؤولون التجاريون من آسيا إلى أوروبا وأمريكا الجنوبية لتقليل اعتمادهم على الولايات المتحدة، التي بدأت تبدو عازمة على تقويض النظام التجاري العالمي. وقد تسارعت هذه المساعي بعد إعلان ترامب عن حزمة الرسوم الجمركية التي أطلق عليها “يوم التحرير” في 2 أبريل/نيسان، والتي زادت الرسوم على الواردات الصينية إلى 125%، مما جعل بكين ترد بالمثل، مما أثار احتمال اندلاع حرب تجارية شاملة.

في جنوب شرق آسيا، عقد الوزراء اجتماعات طارئة، بينما كثّف الاتحاد الأوروبي مفاوضاته مع الشركاء في الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ. ويعتقد الخبراء أن العالم يتجه نحو مزيد من العولمة في الوقت الذي تنعزل فيه الولايات المتحدة، متخلية عن النظام الذي ساهمت في تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية.

يقول موريس أوبستفيلد، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، إن بقية دول العالم ستحاول إبرام اتفاقات إقليمية لاستعادة الأسواق التي فقدتها بسبب السياسات الأمريكية. ومع ذلك، فإن الانسحاب من السوق الأمريكية ليس بالأمر السهل، نظرًا لأن المستهلك الأمريكي لا يزال عنصرًا محوريًا في الاقتصاد العالمي.

وصف وزير خارجية سنغافورة، فيفيان بالاكريشنان، هذه الفترة بأنها “نهاية عصر”، مشددًا على ضرورة تعزيز التعددية الاقتصادية والتكامل التجاري مع أكبر عدد من الشركاء.

شراكات جديدة

حتى قبل الإجراءات الأخيرة التي اتخذها ترامب، كانت العديد من الدول تعمل على بناء شراكات تجارية جديدة. فقد أرسلت دول من جنوب شرق آسيا وفودًا إلى فرنسا والبرازيل والهند ونيوزيلندا لتعزيز علاقاتها التجارية.

تسعى سنغافورة من خلال مبادرتين إقليميتين لإنشاء منطقة تجارية حرة في آسيا والمحيط الهادئ. كما تخطط رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لعقد محادثات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية والإمارات. من المتوقع أن يجتمع زعماء هذه الدول في كوالالمبور في مايو/أيار، بدعوة من رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، بحضور قادة من الصين وسنغافورة وإندونيسيا.

تعتبر دول جنوب شرق آسيا من بين الأكثر تضررًا من الرسوم الأمريكية، خاصة الدول التي تعتمد على التصدير إلى الغرب. وقد استفادت من استراتيجية “الصين زائد واحد”، حيث قامت الشركات بنقل إنتاجها إلى هذه الدول هربًا من التوترات الأمريكية الصينية. ولكن مع تصاعد المواجهة، بدأت تبحث عن تحالفات جديدة.

كما بدأ الاتحاد الأوروبي إعادة تقييم استراتيجيته، حيث لديه شبكة واسعة من الاتفاقيات التجارية التي تغطي 44% من تجارته. وقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن دفع مفاوضات جديدة مع أمريكا اللاتينية وأستراليا، وأطلقت محادثات تجارية مع دولة الإمارات.

تحديات قائمة

ومع ذلك، لا تزال الخلافات الداخلية في الاتحاد الأوروبي تمثل عقبة، خاصة فيما يتعلق باستيراد المنتجات الزراعية. وقد رفضت فرنسا والنمسا وهولندا المصادقة على اتفاقية ميركوسور بسبب المخاوف بشأن حماية مزارعيها.

بعض الدول قد تفضل إبرام اتفاقات ثنائية لتسريع الفهمات، خاصة مع تصاعد الحواجز التجارية. يقول سونيل كوشال من بنك ستاندرد تشارترد إن الاتفاقات الثنائية قد تكون أسرع وأكثر مرونة من مفاوضات الكتل الاقتصادية.

ورغم هذا الزخم، يصعب فصل العالم تمامًا عن الولايات المتحدة، التي لا تزال أكبر مستورد للسلع عالميًا، بعجز تجاري بلغ 918 مليار دولار العام الماضي. يخشى الاقتصاديون من أن تؤدي الرسوم إلى ركود أمريكي، مما سيقلص الطلب على الواردات ويؤثر على التجارة العالمية.

مع تصعيد الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، قد تتجه السلع الصينية إلى أسواق أخرى، مما سيضغط على الصناعات المحلية. يدرس الاتحاد الأوروبي اتخاذ تدابير وقائية لتجنب هذه التأثيرات، وهو أمر يثير القلق لدى العديد من الدول التي تخشى أن تصبح مكبًا للبضائع الرخيصة.

يحذر الاقتصادي فيليبي كامارغو من أن المواجهة الأمريكية الصينية قد تنتج سلسلة من الآثار السلبية على نمو التجارة العالمية، حيث أن تراجع الصادرات إلى أمريكا سيتسبب في انخفاض الاستيراد من شركاء آخرين.

لا يزال الفائض التجاري الصيني الهائل مصدر توتر عالمي، وقد يؤدي إلى مزيد من الاحتكاكات، خاصة إذا دخلت الولايات المتحدة في حالة ركود. ومع ذلك، لم تمنع هذه التحديات الدول من المضي قدمًا في مساعيها لبناء نظام تجاري عالمي أقل اعتمادًا على أمريكا.

aXA6IDJhMTM6YWRjMDo6YWYxOmVhZmY6ZmVmNjoyYjUyIA== جزيرة ام اند امز EE

قد يهمك أيضاً :-