
ليس هناك يقين كبير في عالم المال، وكان تقليدياً عندما تسوء الأمور، يلجأ الناس إلى سندات الحكومة الأمريكية.
يشتري المستثمرون سندات الخزانة الأمريكية على افتراض أنه مهما حدث -ذعرٌ مالي، حرب، كارثةٌ طبيعية- فإن الحكومة الفيدرالية ستصمد وتلتزم بديونها، مما يجعل سنداتها عهد من المستحيل التراجع به.
ومع ذلك، أظهر الاضطراب الأخير في أسواق السندات كيف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أثر على الثقة في هذا الملاذ التقليدي، متحديًا استقرار ديون الحكومة الأمريكية التي كانت تعتبر في السابق غير قابلة للتزعزع.
وفقًا لـ “نيويورك تايمز”، فإن حرب ترامب التجارية -والتي تركز بشكل كبير على الصين- قد أثارت مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي، وأضرت بمصداقية أمريكا كدولة مسؤولة عن السلام والازدهار.
وقال مارك بلايث، الخبير الاقتصادي السياسي بجامعة براون والمؤلف المشارك لكتاب “التضخم: دليل للمستخدمين والخاسرين” الذي سيصدر قريبًا، “لقد قرر العالم أجمع أن حكومة الولايات المتحدة غير مدركة لما تفعله”.
إجماع عالمي
ويبدو أن تراجع الثقة في حوكمة أكبر اقتصاد في العالم مسؤول جزئيًا على الأقل عن موجة البيع الحادة في سوق السندات في الأيام الأخيرة.
عندما يبيع عدد كبير من المستثمرين السندات بشكل جماعي، يُجبر ذلك الحكومة على تقديم أسعار فائدة أعلى لجذب الآخرين لشراء ديونها.
وهذا عادةً ما يؤدي إلى رفع أسعار الفائدة في جميع أنحاء الاقتصاد، مما يزيد من تكاليف الرهن العقاري وقروض السيارات وأرصدة بطاقات الائتمان.
وفي الأسبوع الماضي، ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، التي تراقب عن كثب، إلى حوالي 4.5% بعد أن كان 4% – وهو الارتفاع الأكبر منذ حوالي ربع قرن.
في الوقت نفسه، شهدت قيمة الدولار الأمريكي انخفاضًا، رغم التوقعات بارتفاعها نتيجة الرسوم الجمركية.
هناك أيضًا عوامل أخرى تفسر موجة بيع السندات، حيث قامت صناديق التحوط وغيرها من المؤسسات المالية ببيع استثماراتها كجزء من خروجها من تجارة معقدة تهدف إلى استغلال الفجوة بين الأسعار الحالية للسندات والتوقعات بشأن قيمتها المستقبلية.
كما قام المضاربون بالتخلص من السندات ردًا على خسائر الأسواق المالية، ساعين لجمع السيولة لتجنب الإفلاس.
ويخشى البعض من أن البنك المركزي الصيني، الذي يمتلك 3 تريليونات دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، بما في ذلك 761 مليار دولار من ديون الخزانة الأمريكية، قد يبيع جزءًا من تلك السندات ردًا على الرسوم الجمركية الأمريكية.
سياسة ترامب تدمر “خلايا الدم الحمراء” الاقتصادية
نظرًا لتعدد العوامل المتداخلة، فإن الارتفاع الكبير في عوائد السندات الحكومية يُشبه إلى حد كبير ما يحدث عندما يكتشف المرضى أن عدد خلايا الدم الحمراء لديهم ينخفض. قد توجد أسباب عديدة لهذا الانخفاض، إلا أنه لا يوجد سبب وجيه لأي منها.
مع ذلك، يبدو أن أحد الأسباب هو التخفيض الفعلي لمكانة الولايات المتحدة في التمويل العالمي، بحيث انتقلت من ملاذ آمن إلى مصدر للتقلبات والخطر.
كما أشار السيد بلايث، فقد تحولت سندات الخزانة من ما يُسمى أصولًا ثابتة المعلومات – استثمارات موثوقة بغض النظر عن الأخبار – إلى “أصول مخاطرة” تُباع عندما يتسيد الخوف السوق.
دافعت إدارة ترامب عن الرسوم الجمركية باعتبارها وسيلة لإعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة، مؤكدةً أن الفترة القصيرة من الاضطراب ستتبعها مكاسب على المدى الطويل.
لكن، كما يصفها معظم الاقتصاديين، فإن التجارة العالمية تتعرض للإرباك بنفس الوقت دون وجود استراتيجية واضحة، وقد أدت الطريقة الفوضوية التي أُديرت بها الرسوم الجمركية – التي تم الإعلان عنها مرارًا ثم عُلقت – إلى تقويض الثقة في النظام الأمريكي.
لسنوات، كان الاقتصاديون يشعرون بالقلق من انخفاض مفاجئ في رغبة الأجانب في شراء والاحتفاظ بديون الحكومة الأمريكية، مما قد يؤدي إلى زيادة حادة ومزعزعة للاستقرار في أسعار الفائدة الأمريكية.
تشير العديد من المؤشرات إلى أن تلك اللحظة قد تقترب بشكل متسارع.
قد يهمك أيضاً :-
- استراتيجية "ألم مؤقت.. فوائد مستدامة".. رؤية غير صحيحة بدعم من ترامب
- ترامب يثير المخاوف بشأن الاستقرار المالي... والثقة في وول ستريت تتعرض أولا للخطر
- الوقود المستدام للطيران... الإمارات تتصدر التحولات في منتدى الشحن العالمي 2025
- الإمارات ومقدونيا الشمالية: شراكة متجددة وتوسع في المجالات
- تنبؤات سلبية من وكالة الطاقة الدولية: عام challenging أمام سوق النفط
تعليقات