
عندما أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نيته المستقبلية للاعتراف بدولة فلسطين، سارع يائير نتنياهو، نجل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، إلى مهاجمته بكلمات جارحة، معتبرًا أن الحديث عن وجود دولة فلسطينية يشكل تهديدًا لوجود إسرائيل.
تصريحات نتنياهو الابن تزامنت مع طموحات والده، الذي يُتهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي في حربه المستمرة على قطاع غزة منذ 16 شهرًا، إلى جانب استغلاله لمستوطنين مسلحين ضد الفلسطينيين العزل في الضفة الغربية. وقد أعرب نتنياهو الأب عن فخره بنجله، قائلًا إنه: «صهيوني حقيقي.. وله رؤية لمستقبل إسرائيل».
في هذا الإطار، تتطلب تصريحات نتنياهو الابن حول خطر وجود دولة فلسطينية وكلمات نتنياهو الأب عن رؤى نجله تحليلًا نقديًا لخطاب اليمين المتطرف المتصاعد في إسرائيل، وما تحمله هذه الخطابات العنصرية من أيديولوجيات ورسائل تجاه مستقبل فلسطين والمنطقة. وفي ظل استمرارية إبادة غزة، يجب ربط هذا الخطاب بعلاقات القوة في المنطقة، حيث يشير تبجح الاحتلال بهذه الرؤى إلى الدعم الأمريكي غير المشروط الذي يتجلى مع صعود اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة وعودة ترامب للبيت الأبيض.
«نتنياهو الابن» يهاجم «نية ماكرون»
بدأت القصة بعد زيارة الرئيس الفرنسي إلى القاهرة، حيث قال في اليوم التالي للزيارة، في تدوينة عبر حسابه على منصة «إكس»: «هذا هو موقف فرنسا- إنه واضح: نعم للسلام. نعم لأمن إسرائيل. نعم لدولة فلسطينية بدون حماس».
كما أشار الرئيس الفرنسي إلى «مؤتمر لحل الدولتين في يونيو المقبل، والذي ينبغي أن يكون نقطة تحول».
ورغم أن ماكرون تحدث عن حل الدولتين بصورة متحفظة، ومع كونه مصفوفًا مع المطلب الإسرائيلي والأمريكي بشأن نزع سلاح حماس، إلا أن مجرد إشاراته نحو الاعتراف بفلسطين قد أثار غضب نتنياهو الابن، مما يبرهن على أن العقلية التوسعية متوارثة في إسرائيل.
لم يتأخر رد يائير نتنياهو، حيث سارع بشتم ماكرون قائلاً: «إلى الجحيم! نعم لاستقلال كاليدونيا الجديدة! نعم لاستقلال بولينيزيا الفرنسية! نعم لاستقلال كورسيكا! نعم لاستقلال إقليم الباسك! نعم لاستقلال غويانا الفرنسية! توقفوا عن الإمبريالية الفرنسية الجديدة في غرب أفريقيا!»
«لا تعايرني ولا أعايرك».. نتنياهو الابن يسخر من فرنسا الاستعمارية
ولم يكتفِ يائير بشتم ماكرون بشأن «نيته للاعتراف بفلسطين»، بل واصل ساخرًا على مبدأ «لا تعايرني ولا أعايرك.. الهم طايلني وطايلك»، مذكرًا الرئيس الفرنسي بأن فرنسا أيضًا تحتل أراضي في أفريقيا.
استمر نتنياهو الابن في تغريدته، قائلاً: «أخطأ الرئيس ماكرون بشكل جسيم بمواصلته الترويج لفكرة دولة فلسطينية في قلب بلادنا»، كما أشار إلى ضرورة تحرير العديد من المناطق الأفريقية التي تحت السيطرة الفرنسية.
دولة فلسطين «وهم بعيد عن الواقع»
أما صحيفة «معاريف» العبرية فتحدثت عن «زلة ماكرون»، قائلة في تقرير تحليلي لها: «لن نعرض وجودنا للخطر بسبب أوهام منفصلة عن الواقع لماكرون، ولن نقبل المواعظ الأخلاقية لإقامة دولة فلسطينية قد تهدد وجود إسرائيل، من أولئك الذين يعارضون منح الاستقلال لكورسيكا وكاليدونيا الجديدة وغويانا الفرنسية وغيرها من الأراضي التي لن يؤثر استقلالها على فرنسا بأي شكل من الأشكال».
ونقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعمه لنجله الذي «سبّ ماكرون»، موضحًا أن نجله هو «صهيوني حقيقي.. وله رؤية لمستقبل إسرائيل».
من جهة أخرى، نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية اليسارية تغريدة نتنياهو مُنتقدًا دعمه لنجله، قائلًا: «أحب ابني يائير، فهو صهيوني حقيقي يهتم بمستقبل البلاد. وكأي مواطن، له الحق في إبداء رأيه الشخصي، رغم أن أسلوب رده على تغريدة الرئيس ماكرون الداعية إلى إنشاء دولة فلسطينية غير مقبول بالنسبة لي».
وأضاف نتنياهو أن «الرئيس ماكرون يُخطئ خطأً جسيمًا بمواصلته الترويج لفكرة دولة فلسطينية في قلب بلادنا، وطموحها الوحيد هو تدمير دولة إسرائيل. حتى الآن، لم تُدين أي شخصية في حماس أو السلطة الفلسطينية الفظائع الأكثر دموية المرتكبة ضد اليهود منذ الهولوكوست، مما يُظهر موقفهم الحقيقي تجاه الدولة اليهودية. لن نُعرّض وجودنا للخطر بسبب أوهام منفصلة عن الواقع، ولن نقبل المواعظ الأخلاقية الداعية لإقامة دولة فلسطينية قد تهدد وجود إسرائيل، من أولئك الذين يُعارضون منح الاستقلال لكورسيكا وكاليدونيا الجديدة وغويانا الفرنسية وأراضٍ أخرى، والتي لن يُؤثر استقلالها على فرنسا بأي شكل من الأشكال».
الملامح الأيديولوجية لكلمات نتنياهو الابن
في محاولة لتحليل خطاب نتنياهو الابن، والملامح الأيديولوجية والرسائل المستقبلية التي تحملها هذه الرؤى في سياق علاقات القوة واستناد إسرائيل إلى دعم أمريكي غير مشروط، يجب النظر فيما إذا كانت تلك الآراء تعكس اتجاهًا عامًا في إسرائيل يرفض الاعتراف بدولة فلسطين مقابل فرض السردية الصهيونية التوسعية على حساب أصحاب الأرض.
قال المحلل الفلسطيني أيمن الرقب، إن الاحتلال الإسرائيلي لا يُفوت فرصة لفرض الرواية الصهيونية، بل يستخدم أساليب سيكولوجية تفرض سياسة الأمر الواقع وتشكيل رأي عام عالمي يؤيد سياساتهم.
وتابع الرقب بأن طبيعة المجتمع الإسرائيلي المحكومة بمجموعة من المتطرفين الذين يرفضون الآخر، ويفصلون بين كل ما هو غير صهيوني على أنه «جوييم» أو «أغيار»، يجب التخلص منهم لإقامة «إسرائيل الكبرى».
«جوييم» هي كلمة عبرية تعني لغويًا «الأغيار»، وتُستخدم اصطلاحًا للإشارة إلى غير اليهود، مما يعكس النزعة المتطرفة في التمييز الحاد بين اليهود «كشعب مقدس» من جهة، والشعوب الأخرى خارج دائرة القداسة من جهة أخرى.
أثناء استيلائهم على أراضي ومنازل الفلسطينيين، يستند المستوطنون المنتمون لليمين المتطرف إلى هذا التقسيم الحاد، معتبرين أنهم من «يهود مقدسين»، بينما الآخرون «أغيار» أو «جوييم» مستبعدين عن دائرة القداسة. وقد برز ذلك في اعتداءاتهم على منازل الفلسطينيين، بدعوى أن تلك الأراضي المقدسة تُعتبر منحة من الرب لشعبه المقدس.
وأضاف المحلل الفلسطيني أن إسرائيل تعزز المفاهيم التوسعية لتبرير استيلائها على الأراضي العربية استنادًا إلى هذه المفاهيم العنصرية، بل إنها تُلقنها للأجيال في المدارس التلمودية والحريدية التي تتعامل مع كل من هو غير صهيوني على أنهم «جوييم» لا يستحقون الحياة. وقد تجلى ذلك في حديث نتنياهو الابن الذي يُكرّس لعقلية عنصرية علنية تهدد الوجود الفلسطيني والسلم الإقليمي على حد سواء.
الصهيونية وتوظيف النص التوراتي
أشار المحلل الفلسطيني إلى توظيف الصهيونية للمفاهيم التوراتية لتبرير سرديات الاحتلال من منظور ديني، مستغلة الصهيونية المسيحية التي تحشد مؤخرًا لدعم إسرائيل رغم ارتكابها جرائم تطهير عرقي. هذا الموقف يؤثر على السياسة الأوروبية تجاه إسرائيل، حيث لم يتطرق ماكرون إلى نزع سلاح المستوطنين الإسرائيليين أو مستقبل الضفة وغزة، مكتفيًا بالحديث عن نزع سلاح حركة حماس فقط.
وشدد الرقب على أن الترويج لمثل هذه التوجهات عربيًا لا يقتصر فقط على تمرير السرديات الإسرائيلية، بل يغفل أيضًا الحق في إقامة دولة فلسطينية، مما يشكل تهديدًا للمستقبل الفلسطيني.
المال الأوروبي يغذي المشروع الصهيوني ويدعم ممارساته
وفي السياق، اعتبر اللواء حابس الشروف أن هذا الاستهتار بوجود الفلسطينيين مرتبط بالدعم الأمريكي، الذي يشهد ذروته مع عودة ترامب للبيت الأبيض، مؤكدًا أن الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل يعزز الفكر الصهيوني الديني والتطرف اليميني في البلاد.
أوضح المحلل الفلسطيني أن الدعم الأمريكي لإسرائيل لم يعد مجرد تحالف سياسي، بل يستند الآن إلى مرجعيات دينية توراتية، كما صرح السفير الأمريكي في إسرائيل بأن «الدعم ينبع من التوراة»، مما يعزز الفرضية التي تقول إن «أمريكا هي إسرائيل الكبرى».
تتجلى هذه الحالة في الدعم غير المحدود من تيارات الصهيونية المسيحية التي تمتد إلى أكثر من 40 دولة عبر ما يعرف بـ “السفارة المسيحية الدولية”، حيث يتم جمع التبرعات لدعم المشروع الصهيوني وتعزيز ممارساته الإجرامية. وأشار المحلل الفلسطيني إلى أن تراجع الرئيس الفرنسي عن تصريحاته يكشف استجابته للضغوط الصهيونية.
في آخر تطورات المشهد، اعتبر نتنياهو أن الحديث عن «دولة فلسطينية» يعد بمثابة «مكافأة للإرهاب»، في إشارة إلى حركة حماس. وفي رد فعل سريع، أجرى ماكرون مكالمة هاتفية رباعية أكد فيها ضرورة «نزع سلاح حماس وإبعادها عن الساحة السياسية»، وذلك وفق بيان نشره عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس».
واعتبر الشروف أن حديث نتنياهو الابن لم يكن مصادفة، بل هو نتاج لنمو اليمين المتطرف في إسرائيل وانتشاره السريع في المشهد السياسي، حيث أصبح الفكر الفاشي والعنصري جزءًا أساسيًا في خطاب الدولة، يتمثل في الدعوة للتخلص من كل من يعارض سياسات التوسع أو يقف في طريق «النفسية الصهيونية».
تلك التيارات تنظر إلى العرب على أنهم «جوييم»، أي أغيار لا يستحقون الحياة على قدم المساواة، مما يشير إلى تصاعد خطاب الإبادة بدلًا من مجرد الاحتلال. والدعم الأمريكي لهذا الخطاب هو ما يمنح إسرائيل الجرأة في الاستمرار بممارساتها.
الطريق للمواجهة
اختتم المحلل الفلسطيني منتقدًا غياب رؤية موحدة فلسطينيًا وعربيًا، مؤكدًا على ضرورة البحث عن سبل لمواجهة هذه الرؤى التي تهدد الأمن الإقليمي، والتي ستسعى إلى إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية، مما ينبئ بأخطار أكبر في المستقبل القريب. ووجه الانتقادات للبعض بشأن الدعوة إلى نزع سلاح المقاومة في ظل وجود ترسانة أسلحة بأيدي المستوطنين، مع تضاعف هذا الخطاب العنصري الرافض للوجود الفلسطيني، مما يعد ظلمًا فادحًا.
وبيّن أنه لا فلسطيني يقبل بأن يُرفع الراية البيضاء، فالمعركة لم تعد مجرد صراع على الأرض، بل هي معركة وجود وهوية. وشدد على الحاجة إلى صياغة موقف عربي موحد يتجاوز المصالح الضيقة قصيرة المدى للضغط من أجل وقف المجازر، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، وفتح ملفات المحاسبة الدولية ضد قادة الاحتلال. واختتم بأن بدون وحدة وطنية وعربية، لن تكون هناك إمكانية لبناء استراتيجية صمود فعالة، ولن يكون هناك مستقبل للمنطقة بأسرها.
قد يهمك أيضاً :-
- احتفالاً بعيد القيامة المجيد.. دوللي شاهين تطلق أغنيتها الجديدة "ترتيلة اليوم على خشبة الصليب" (فيديو)
- 10 آلاف صفحة من السجلات.. واشنطن تنشر وثائق حول اغتيال كينيدي
- الإمارات تعزز مساعيها في مكافحة الجرائم المالية من خلال إبرام اتفاقيات تعاون جديدة
- بث مباشر حالياً لمشاهدة مباراة نانت ورين في الدوري الفرنسي
- نوران جوهر تهزم أمينة عرفي وتفوز ببطولة الجونة للإسكواش 2025
تعليقات