آدم روزفلت، خبير في السياسة الخارجية الأمريكية، لـ«بوابة مولانا»: الرسوم الجمركية تمثل خطوة جيوسياسية محسوبة تعيد تحديد دور أمريكا

آدم روزفلت، خبير في السياسة الخارجية الأمريكية، لـ«بوابة مولانا»: الرسوم الجمركية تمثل خطوة جيوسياسية محسوبة تعيد تحديد دور أمريكا

أفاد الباحث في الأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية، آدم روزفلت، أن التعريفات الجمركية التي أطلقها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تمثل خطوة جيوسياسية محسوبة تهدف إلى إعادة تعريف موقع الولايات المتحدة، كما أنها تُظهر نقاط ضعف في الصين والاتحاد الأوروبي. وأوضح في حوار مع «بوابة مولانا» أن «ترامب» يعد رئيسًا ناجحًا يسعى لإعادة الإنتاج إلى الوطن وإجبار الحكومات الأجنبية على التفاوض، وأن استراتيجيته تعتمد على تقديم الصفقات في مزاد علني للتمويل وعقاب من لا يستجيب، مشيرًا إلى أن الصين تواجه صعوبة في تحمل الخسائر التجارية من السوق الأمريكية. وفيما يلي نص الحوار:

■ كيف ترى سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالمية فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية؟

– من خلال منظور مسؤوليتي، خاصة خلال فترة رئاسته الأولى، ومن كوني على اطلاع مباشر على تطورات إدارته، أرى أن استراتيجية «ترامب» بشأن التعريفات الجمركية ليست استثناءً اقتصاديًا، بل هي خطوة جيوسياسية مدروسة، أعتمد على تجربتي الشخصية بعد أن قضيت العقد الماضي في تقديم المشورة للحكومات والشركات حول كيفية عمل واشنطن. لم تكن هذه التعريفات قرارًا عشوائيًا، بل صُممت لإعادة تعريف مكانة أمريكا في التجارة العالمية.

■ هل يعني ذلك أن الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على صدارتها الدولية؟

– نعم، قرار ترامب بفرض تعريفات جمركية على دول محددة ليس مجرد أرقام في الميزان التجاري. إنه يتعلق بالتأثير والسيطرة، ويضع أمريكا كلاعب أساسي على كل طاولة، حيث تمتزج استراتيجيته بين النفوذ الاقتصادي على المدى القصير والحرب النفسية على المدى الطويل، مما يُجبر الحلفاء والمنافسين على إعادة تقييم اعتمادهم على الولايات المتحدة، وفي بعض الحالات، ولائهم. وهذه ليست مجرد حمائية، بل هي قومية تجارية، حيث يُعتقد أن أمريكا يجب ألا تشارك إلا إذا كانت الشروط مثالية، وإلا فسوف تنسحب.

تتجلى الفلسفة الكامنة وراء هذا بوضوح في الأمر التنفيذي رقم ١٣٨٧٣، حيث أعلن «ترامب» حالة طوارئ وطنية بسبب التهديدات الخارجية لسلسلة توريد التكنولوجيا الأمريكية، مما مهد الطريق لفرض تعريفات جمركية وفقًا للمادة ٣٠١ (الصين) والمادة ٢٣٢ المتعلقة بالصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول، وهي أدوات كانت عادة مخصصة للدفاع الوطني، وأُعيدت توظيفها الآن لحماية الصناعة الأمريكية.

■ برأيك، هل نجح «ترامب» في سياسته؟

– بصفتي مستشارًا لعدد من العملاء في الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، أرى أن نجاح «ترامب» يعتمد على الاحتكاك الذي يخلقه، وهو مقصود ويهدف إلى تحفيز إعادة التفاوض، لذا يمكن القول إنه ناجح.

■ كيف تعتمد استراتيجية «ترامب» لتصفها بالنجاح؟

– يجب عند تقييم استراتيجية «ترامب» أخذ التأثير على ثقة المستثمرين بعين الاعتبار، بما في ذلك التضخم وتكاليف المستهلك، وصورة أمريكا الخارجية وقوتها الناعمة، فضلًا عن زمن التعافي في القطاعات المتضررة، والمرونة الوطنية في الصناعات الأساسية. وأعيد التأكيد على أن الاحتكاك الذي يثيره «ترامب» مُخطط له، ويهدف إلى تحفيز إعادة التفاوض وانتزاع تنازلات استراتيجية.

■ ما هو الأساس الذي يرتكز عليه نظام التعريفات الجمركية؟

– يعتمد القرار على تعويض العجز التجاري الأمريكي عبر فرض ضرائب على الواردات، ويسعى «ترامب» إلى إعادة výroba إلى الداخل أو على الأقل تشجيع الشركات على نقل سلاسل التوريد الرئيسية إلى أمريكا، مما يُحدث نقاط ضعف، خاصة في الصين والاتحاد الأوروبي، ويدفع وزراء التجارة ومؤسسات الاستثمار إلى السعي نحو شراكات مع الولايات المتحدة بشروط أفضل، كما يعزز صورة «ترامب» كمفاوض حازم، حيث يبني استراتيجيته على مبدأ «أفضل صفقة أو لا صفقة» ويبعث برسالة واضحة: يجب تقديم شروط ممتازة، أو مواجهة عواقب اقتصادية أو غير اقتصادية، وتعكس هذه الاستراتيجية إرثه في فنّ إبرام الصفقات، لكن على نطاق وطني.

■ لكن يبدو من حديثك أن «ترامب» لا يدعو إلى السلم الاقتصادي العالمي.. هل نحن مقبلون على حرب تجارية؟

– بشأن الحرب التجارية، يمكنني القول (نعم-ولا). بمعنى أن الثقة العالمية في الاتفاقيات متعددة الأطراف آخذة في التراجع، حيث تُستبدل اتفاقيات التجارة الحرة مثل اتفاقية نافتا (التي تم إعادة التفاوض عليها لتصبح اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا) بمفاوضات ثنائية، وتعكس التعريفات الانتقامية التي فرضتها الصين، ومحاولات الاتحاد الأوروبي في عام ٢٠١٨ للاستعانة بمنظمة التجارة العالمية، ولكن من جهة أخرى، الحروب غالبًا ما يكون لها رابحون. نموذج «ترامب»، رغم عدوانيته، لا زال ينادي بالتفاوض، وما نشهده هو إعادة تنظيم لسلاسل التوريد العالمية وليس انهيارها.

■ هل تخشى الولايات المتحدة من إمكانية تشكيل تحالفات اقتصادية صينية-غربية؟

– نحن نشهد بالفعل ظهور تحالفات جديدة مثل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والإمارات العربية المتحدة (CEPA)، وممرات التجارة المحسّنة بين الصين والخليج، تعكس هذه الاتفاقيات سياسات «ترامب» وتمنح المستوردين خيارات، لكنها تُظهر أيضًا تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على إعادة تشكيل النظام العالمي.

■ ما تأثير قرار ترامب على الداخل الأمريكي؟

– على المدى القصير، سيؤدي ذلك إلى زيادة الأسعار بالنسبة للمستهلكين، لكن على المدى الطويل قد ينتج عن ذلك قاعدة تصنيع أمريكية أقوى، وتعزيز الأمن القومي، واستقلالية سلاسل التوريد.

■ وماذا عن الرسوم الجمركية التي فرضتها الصين كرد فعل؟

– ردًا على الضغوط، فرضت الصين، التي يُتوقع أن تتفوق على الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم بحلول عام ٢٠٣٠، رسومًا جمركية مضادة، ولكن المهم هنا هو كيفية تأثير نقاط ضعفها. عشرات الكنوز الصينية الأساسية تعرضت للضرر بموجب الرسوم الجمركية لـ«ترامب» بموجب المادة ٣٠١، مما يمثل إجراءات بكين الانتقامية، إذ لا يجب إجبار الصين على تقديم تنازلات، لكنها في نفس الوقت تجد صعوبة في استيعاب الخسائر التجارية من السوق الأمريكية على المدى الطويل، ولا تستطيع المخاطرة بعمليات الاستحواذ التي تثير قلق لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، والتي أصبحت تخضع لمزيد من التدقيق خلال فترة إدارة «ترامب».

■ ماذا يريد «ترامب» من الصين؟

– «ترامب» يريد من الصين العودة إلى طاولة المفاوضات، وهذه المرة بشروط تتناسب مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية في مجالات التكنولوجيا ورأس المال والطاقة.

■ هل ستظل الصين تؤثر على التجارة العالمية؟

– بالتأكيد، لا يمكن تجاهل هيمنة الصين على قطاع التصنيع، حيث تُظهر منصات مثل «علي بابا وشي إن» قدرة الصين على اختراق الأسواق خاصة في إفريقيا ورابطة الدول المستقلة وأجزاء من أوروبا، وقدمت خدمات استشارية لعملاء التجارة الإلكترونية في هذه المناطق، حيث ينظر إلى الصين بالكثير من الاعتماد على أسعارها التنافسية وموثوقيتها.

ومع ذلك، تُشجع الشركات الأمريكية على إعادة هيكلة سلاسل التوريد بالانتقال إلى فيتنام والهند أو حتى إعادة تموضعها، وهو ما يحدث بالفعل في قطاعي أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية بفضل التمويل المخصص لقانون «الرقائق والعلوم» والحوافز المنصوص عليها في قانون خفض التضخم.

■ ماذا نتوقع للمستقبل؟

– في المستقبل، من المحتمل أن نشهد تشكيل مراكز تجارية إقليمية تحل مكان الاعتماد متعدد الأطراف (مجلس التعاون الخليجي، رابطة دول جنوب شرق آسيا، ميركوسور)، وإعادة توجيه الاستثمار السيادي نحو مجالات «آمنة» مثل الغاز الطبيعي المسال، والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وأمن الفضاء السيبراني، بالإضافة إلى إعادة تشكيل الحكومة لاستراتيجيات الضغط للوصول إلى الوكالات الأمريكية وهيكلة الاتفاقيات مثل شراكات القطاعين العام والخاص والاستثمار.

■ هل سيتراجع «ترامب» في موقفه؟

– من غير المحتمل – ما لم يتم تنفيذ الشروط التي يسعى من أجلها، في أول ٦٠ يومًا من ولايته، حصل «ترامب» على استثمارات أجنبية مباشرة تزيد عن تريليون دولار، بما في ذلك ١.٤ تريليون دولار من الإمارات العربية المتحدة على مدى ١٠ سنوات، و١٠٠ مليار دولار من سوفت بنك، وتريليون دولار من السعودية، بالإضافة إلى التزامات استثمارية من داماك تزيد عن ٢٠ مليار دولار، والتزامات استراتيجية للطاقة من أرامكو وأدنوك. هنا، يرى «ترامب» نفسه ليس كرئيس يسعى للحصول على تأييد جماهيري، بل كرئيس تنفيذي للولايات المتحدة، حيث يعتمد نموذجه على تقديم الصفقات في مزاد علني للتمويل ومعاقبة من لا يدفع الثمن.

■ ما توقعتك لوقت إبرام الصفقات؟

– في رأيي، سنشهد إبرام الصفقات خلال ٣٠ إلى ٤٥ يومًا من بدء تنفيذ الرسوم الجمركية، وستُدار هذه المفاوضات خلف الكواليس بواسطة رؤساء الدول ووزارات التجارة وجماعات الضغط النخبوية والوكلاء الدبلوماسيين.

قد يهمك أيضاً :-