الذكاء الاصطناعي: انعكاس للاختلالات الهيكلية في المنافسة بين أمريكا والصين

اعتبرت تحليل نشرته مجلة «فورين أفيرز» أن السباق الأمريكي-الصيني في الذكاء الاصطناعي لن يحسمه التفوق التقني وحده، بل أيضًا انتشار استخدامه وتبنيه.

تخوض الولايات المتحدة والصين منافسة شديدة لتطوير الذكاء الاصطناعي، نظرًا لتأثيره العميق على الأمن القومي والاقتصاد العالمي. ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال تتقدم تقنيًا في تطوير النماذج الأكثر تقدمًا بفضل وجود كفاءات عالمية واستثمارات كبيرة، فإن هذا التفوق ليس مضمونًا ولا يضمن السيطرة المستقبلية بالضرورة.

ممكن يعجبك: “لو معاك 50 ألف هتاخد 1250 شهريا” شهادات بنك مصر والبنك الأهلي 2025 بأعلى عائد بين البنوك يصل إلي 30%

الانتشار

عندما أطلقت شركة “ديب سيك” الصينية نموذج R1 القوي في يناير/كانون الثاني 2025، كانت تلك بمثابة إنذار بأن الصين قد تقترب من اللحاق بالركب الأمريكي، خاصة مع توفر نماذج رخيصة ومفتوحة المصدر يمكن نشرها بسرعة وكفاءة. وبالتالي، يكمن التحدي الحقيقي في تطوير نماذج قوية، ولكن أيضًا في سرعة تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع داخل الدول.

في سباقات التكنولوجيا، لا يتم قياس التفوق فقط بامتلاك أفضل الأدوات، بل بقدرة الأطراف على استخدامها وتطبيقها بكفاءة. لذا، يجب على الولايات المتحدة التركيز على دمج الذكاء الاصطناعي ضمن مؤسساتها الحكومية والعسكرية والاقتصادية.

دعا التحليل الولايات المتحدة لمساعدة شركاتها في تصدير أدوات الذكاء الاصطناعي إلى الأسواق النامية لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في هذه المناطق. ووفقًا للتحليل، فإن التأثير الاقتصادي الأكبر للذكاء الاصطناعي لا يأتي من النماذج المتقدمة بحد ذاتها، بل من مدى انتشارها في مختلف القطاعات. وقدر تقرير لشركة الاستشارات العالمية “ماكنزي” عام 2023 أن التبني الواسع للذكاء الاصطناعي يمكن أن يضيف تريليونات الدولارات للاقتصاد العالمي. ومن المهم للولايات المتحدة إذًا التأكد من وصول تقنياتها إلى دول العالم النامي، ليس فقط لتعزيز التنمية، بل أيضًا لمنع الصين من الهيمنة على هذه الأسواق من خلال مبادرات مثل “طريق الحرير الرقمي”.

مقال له علاقة: انخفاض أسعار الذهب في مصر: سعر عيار 24 يصل إلى 5246 جنيه للشراء في تحديث الساعة 03:35 مساءً.

الذكاء الاصطناعي العسكري

من ناحية أخرى، ورغم وجود مخاوف من “الروبوتات القاتلة”، يُستخدم الذكاء الاصطناعي حاليًا في المجال العسكري كأداة لدعم قرارات البشر، وليس لاتخاذ قرارات مستقلة باستخدام القوة. ويشمل ذلك دعم مجالات مثل اللوجستيات، والتخطيط، وتحليل البيانات.

على سبيل المثال، دمجت روسيا أدوات الذكاء الاصطناعي بسرعة في عملياتها خلال الحرب في أوكرانيا، كما تسعى دول مثل إيران وكوريا الشمالية لتطوير قدراتها أيضًا. بينما تعتمد الولايات المتحدة على الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء العسكري، إلا أنها تحتاج إلى تسريع استخدام هذه التقنيات بشكل داخلي.

السياسات والبنية التحتية

شدد التحليل على أن القيود المفرطة في استخدام الذكاء الاصطناعي قد تعيق الابتكار وتدفع المستخدمين للاعتماد على نماذج مفتوحة المصدر غير خاضعة للرقابة. لذا، يجب على الولايات المتحدة وضع سياسات تنظيمية مرنة تشجع التبني المسؤول وتضمن الأمان دون إعاقة الابتكار. كما أن محاولات الحد من تصدير الشرائح المتقدمة إلى الصين، رغم أهميتها، قد لا تكون كافية، لأن الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل كبير على البرمجيات، التي يمكن نسخها ونشرها بسهولة.

لتحقيق التبني الواسع، يجب الاستثمار في البنية التحتية الأساسية: إنتاج الشرائح، مراكز البيانات، شبكات الطاقة، وخطوط نقل الكهرباء. على الرغم من أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أعلن عن خطة لاستثمار 500 مليار دولار في البنية التحتية السحابية، لم يتم تنفيذ سوى 100 مليار منها حتى الآن. كما يجب على الحكومة أن تقود بنفسها عملية التبني، لتشجيع باقي القطاعات ولضمان الأمان والموثوقية. تعد الاستثمارات الحكومية مؤشرًا على الثقة من قبل الأسواق والمستثمرين.

اختتم التحليل بالتأكيد على أن السباق بين الولايات المتحدة والصين في الذكاء الاصطناعي لا يُحسم فقط في المختبرات، بل يعتمد أيضًا على قدرة كل طرف على نشر التكنولوجيا واستخدامها بسرعة وكفاءة. تحتاج الولايات المتحدة إلى تجاوز البيروقراطية، وضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وتطوير نماذج رخيصة وسهلة النشر، مع التركيز على شراكات استراتيجية عالمية. السباق ليس فقط حول من يصنع أفضل نموذج، بل أيضًا عن من يستخدمه أولاً وعلى أوسع نطاق.