رأسمالية غير عادلة.. تحديات العمال في فترة ترامب

رأسمالية غير عادلة.. تحديات العمال في فترة ترامب

تم تحديثه الأحد 2025/4/20 01:20 ص بتوقيت أبوظبي

أشار محللون إلى أن جاذبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشعبوية لطالما كانت مبنية على انتقاده لسياسات النيوليبرالية الاقتصادية. لكن، وفقًا لتقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي»، فإن التطورات الأخيرة أثبتت أن تلك السياسات كانت عرضاً أكثر منها دعماً حقيقياً للناس.

خلال فترتي رئاسته، تحدى ترامب المعتقدات السائدة في الحزبين حول فوائد الأسواق الحرة والعولمة. وقد أثار تساؤلات حول فعالية خفض الحواجز التجارية وتعميق التكامل الاقتصادي العالمي، وتبنى مواقف صارمة تجاه اختلال الميزان التجاري وإدارة أسعار صرف العملات.

من السهل أن نفهم لماذا تفاعل كثير من الأمريكيين مع هذه المواقف. فقد خلفت العولمة واقعًا قاسيًا، حيث تراجعت الصناعات، وفقدت العديد من الوظائف، وتدنّت الأجور. لعدة عقود، تم وعد الناس بأن التجارة الحرة ستعود بالفائدة على الجميع، لكن الواقع أظهر أن المكاسب كانت لصالح القلة، بينما تحملت الطبقة العاملة التكاليف. ومع ذلك، فإن رفض ترامب لمبادئ السوق الحرة لا ينبغي أن يُفهم على أنه التزام بالعدالة الاقتصادية، بل تكشف سياساته عن رغبة في السيطرة وليست في الإصلاح.

لقد كانت عيوب العولمة واضحة منذ البداية، حيث ركّز النظام التجاري المتعدد الأطراف، الذي تم تأسيسه خلال الحرب الباردة وتوسع بعد ذلك، على إزالة الحواجز التجارية، بينما تم التعامل مع قضايا مثل عدم المساواة وحقوق العمال وحماية البيئة على أنها مسائل محلية أو تم التعامل معها بشكل ضمني في اتفاقيات التجارة الحرة. ولكن هذا التفاؤل بقدرة الحكومات على تخفيف آثار العولمة من خلال السياسات الداخلية كان ساذجًا. فقد قيدت قواعد التجارة قدرة الدول على مقاومة تراجع التصنيع وفقدان الوظائف، كما لم توفر الأدوات الكافية للتعامل مع تقاعس الشركاء التجاريين عن تنفيذ معايير العمل والبيئة.

تأثير متفاقم

هذا القصور أدى إلى انتقال التصنيع من الدول المتقدمة إلى الأسواق الناشئة، مما زاد من تأثير الأتمتة على العمال الصناعيين. وفي دول مثل الولايات المتحدة، التي تفتقر إلى نظام رعاية اجتماعية قوي، أدت هذه التحولات إلى انخفاض الأجور وزيادة انعدام الأمان الاقتصادي.

رغم أن خطاب ترامب الشعبوي وميله لفرض الرسوم الجمركية يعكسان استجابة فعلية لاستياء حقيقي من العولمة، فإن سياساته تعكس عدم اهتمام فعلي بالطبقة العاملة. فالتجارة الحرة ليست السبب الوحيد وراء زيادة التفاوت الاقتصادي، بل ساهمت أيضًا سياسات تحرير الأسواق المالية، وتعديلات ضريبية مجحفة، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وتقليص مزايا المعاشات، في تفاقم الوضع.

بدلاً من معالجة هذه المشكلات، عمل ترامب على تعميقها من خلال تقليص دور الدولة، وخصخصة أو إلغاء وظائفها الأساسية، ودعم تخفيضات ضريبية تصب في مصلحة الأثرياء، ومهاجمة حقوق العمال.

في جوهره، لا يسعى ترامب إلى خدمة الأمريكيين العاديين، بل يسعى لتعزيز سلطته الشخصية. ظهر ذلك في تعامله مع الرسوم الجمركية: حيث يعلن عن زيادتها بشكل مفاجئ، ثم يقوم بتعليقها، ويزعم بعد ذلك أن تعافي الأسواق جزئيًا يعود إلى قراراته “التاريخية” – في عرض واضح للقوة، وليس للإصلاح. 

كما ذكر ريان زينكي، وزير الداخلية السابق في إدارة ترامب: “الرسوم الجمركية أداة يفضلها الرئيس لأنها تمنحه سلطة شخصية”.

هذا ليس عودة إلى الرأسمالية المنظمة التي ساهمت في نمو الطبقة الوسطى والابتكار الصناعي خلال القرن العشرين، بل هو تراجع إلى نموذج قديم من الحكم، حيث يستغل الحاكم سلطاته لمنح الامتيازات لمقربيه. إنها سياسية الغنائم في ثوب اقتصادي جديد.

ترامب لا يقدم بديلاً حقيقياً لما بعد النيوليبرالية، بل يجمع بين أسوأ سمات هذا النظام القديم وأسوأ ممارسات الحكم الفردي. ولتفادي العودة إلى هذا الشكل من الرأسمالية المفترسة، ينبغي علينا ألا ننخدع بأسلوب ترامب، كما لا يجب العودة إلى الانصياع الأعمى للسوق.

قال تقرير “فورين بوليسي” إن ما تحتاجه أمريكا هو نموذج اقتصادي جديد يضع الناس في المركز ويخدم الصالح العام، ويعتمد على مستقبل مستدام بدلاً من إعادة إنتاج ماضٍ ذهبي بُني على النهب. فشلت النيوليبرالية في خدمة العمال الأمريكيين، لكن ترامب لا يقدم بديلًا، بل يعيد إنتاج النظام – الفاشل – تحت مسمى جديد. 

aXA6IDJhMTM6YWRjMDo6YWYxOmVhZmY6ZmVmNjoyYjUyIA== جزيرة ام اند امز EE

قد يهمك أيضاً :-