من الفلس إلى الدينار: تاريخ العملات في عصر المسيح

من الفلس إلى الدينار: تاريخ العملات في عصر المسيح

فى هذه الأيام، التى نستعيد فيها ذكرى إحدى أبرز المحطات التاريخية فى عيد القيامة، نتوقف أمام بعض المواقف التى ارتبطت بحياة السيد المسيح، ومنها تعامله مع المال والعملات الرومانية السائدة فى زمانه، وهو زمن الوالى الرومانى بيلاطس البنطى (Pontius Pilate)، الذى حكم ولايته بين عامى 26 و36 ميلادية، فى فترة الإمبراطورية الرومانية وهى الفترة التى صلب فيها المسيح.

صورة تعبيرية لـ«يهوذا» وأمامه ثلاثون دينارًا من الفضة.. الثمن الذى سلم به السيد المسيح

1- كانت العملات المتداولة فى ذلك الوقت بشكل رئيسى الدينار الرومانى (Denarius): عملة فضية رومانية شائعة فى جميع أنحاء الإمبراطورية، وهى العملة التى أخذ منها يهوذا، تلميذ المسيح الذى خانه، لتسليم السيد المسيح للجنود الرومانيين مقابل 30 دينارًا، أو كما ورد 30 قطعة من الفضة، وهو ما يُشير إلى الدناءة والخزى المرتبط بالخيانة، حيث كان الدينار يزن حوالى 4.5 جرام من الفضة الخالصة تقريبًا، وكان له قدرة شرائية كبيرة خلال فترة صلب المسيح. كان الدينار الواحد يمثل أجر يوم عمل لعامل بسيط أو جندى، مما يعني أنه كان يمكنه شراء الأساسيات لعائلة صغيرة. ولكن لاحقًا، شهد الدينار تدهورًا بسبب خلط الفضة بالنحاس من قبل السلطات الرومانية نتيجة الأزمات الاقتصادية، مما أدى مع الزمن إلى انخفاض قيمته الحقيقية بسبب تراجع نسبة الفضة فيه.

من الفلس إلى الدينار رحلة العملات فى زمن صلب المسيح

2- كان للمسيح موقف آخر مشهور مع الدينار الرومانى وهو درس خالد فى فصل السياسة عن الدين، وذلك عندما جاء إليه الفريسيون ليسألوه بمكر: «هل يجوز أن نعطى الجزية لقيصر أم لا؟». كان الهدف من السؤال إحراجه: فإذا قال «لا» اتهموه بالتمرد ضد الرومان، وإذا قال «نعم»، اتهموه بخيانة قومه اليهود الذين كانوا يرفضون الاحتلال الرومانى. فسألهم المسيح أن يقدموا له عملة الجزية، فقدموا له دينارًا فضيًا، وسألهم: «لمن هذه الصورة والكتابة؟»، فأجابوا: «لقيصر»، فرد عليهم بجملته الشهيرة: «أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، وكان الدينار يحمل صورة الإمبراطور الرومانى (تيبيريوس قيصر زمن بيلاطس البنطى).

من الفلس إلى الدينار رحلة العملات فى زمن صلب المسيح

3- فى نصوص العهد الجديد بالكتاب المقدس، ذكر «العمال فى الكرم» (متى 20:2)، حيث وعد صاحب الكرم كل عامل بأجر يومى قدره دينار واحد، مما يؤكد أن الدينار كان أجر يوم كامل. كما توجد نصوص رومانية توضح أن سعر رغيف الخبز كان أقل من 1/10 من دينار.

4- كانت الإمبراطورية الرومانية تفرض عملاتها الرسمية الدينار، لكنها كانت تسمح ببعض المعاملات المحلية بعملات مثل الشيكل أو الدراخما فى الأمور الدينية أو الداخلية، كما ذُكر فى الإنجيل. ومن أبرزها الدينار الفضى والشيكل (Shekel)، وهو اسم العملة المتداولة حاليًا فى إسرائيل، والشيكل كان عملة فضية يهودية خاصة لدفع ضريبة الهيكل. وعندما طرد السيد المسيح الصيارفة من الهيكل، كان ذلك بسبب تبديل العملات الأجنبية بالشواكل اللازمة للهيكل.

الأرملة التى قدمت فلسطين فى صندوق التبرعات ومدحها المسيح لأنها أعطت كل ما تملك رغم فقرها

جاء الذين يجمعون الدرهمين (ضريبة الهيكل) إلى بطرس وقالوا: «أما يوفى معلمكم الدرهمين؟»، فأجاب بطرس: «بلى»، فقال له يسوع: «لكى لا نعثرهم، اذهب إلى البحر والق صنارة وخذ السمكة الأولى، ومتى فتحت فمها تجد إستارًا (وهو عملة تساوى شاكلين)، فخذه واعطهم عنى وعنك».

(متى 17: 24-27)

5- الدراخما (Drachma):

عملة يونانية فضية كانت أقل قيمة من الدينار، وذُكرت فى مثل الدرهم الضائع، حيث فقدت امرأة درهمًا (دراخما) واحدًا وبحثت عنه حتى وجدته.

الدينار الفضى الرومانى

«أى امرأة لها عشرة دراهم، إن أضاعت درهمًا واحدًا، ألا توقد سراجًا وتكنس البيت وتفتش باجتهاد حتى تجده؟».

(لوقا 15: 8)

6- الموهبة (Talent):

هى وحدة وزن وقيمة ضخمة تعادل آلاف الدنانير، وذُكرت فى مثل الوزنات، حيث وزّع السيد الأموال (المواهب) على عبيده ليعملوا بها.

الشيكل اليهودى فى زمن المسيح

«وكأنه إنسان مسافر دعا عبيده وسلمهم أمواله. فأعطى واحدًا خمس وزنات، وآخر وزنتين، وآخر وزنة واحدة، كل واحد على قدر طاقته…».

(متى 25: 14-30)

7- الفلس أو اللبتون (Lepton/Prutah):

من الفلس إلى الدينار رحلة العملات فى زمن صلب المسيح

أصغر عملة نحاسية فى ذلك الزمان، وذُكرت فى قصة فلس الأرملة التى قدمت فلسين فى صندوق التبرعات، ومدحها المسيح لأنها أعطت كل ما تملك رغم فقرها.

«وجلس يسوع مقابل الخزانة وكان ينظر كيف يلقى الجمع نحاسًا فى الخزانة. وكان أغنياء كثيرون يلقون كثيرًا. فجاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين، قيمتهما ربع. فدعا تلاميذه وقال لهم:

الحق أقول لكم: إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا فى الخزانة».

(مرقس 12: 41-44، لوقا 21: 1-4)

الخلاصة:

من الفلس إلى الدينار رحلة العملات فى زمن صلب المسيح

كانت العملات الفضية (دينار، شيكل، دراخما) ذات قيمة عالية وتُستخدم للمعاملات المهمة، بينما كانت العملات النحاسية (فلس) تُستخدم فى المعاملات اليومية الصغيرة جدًا (مثل شراء رغيف خبز رخيص).

قد يهمك أيضاً :-