ورقة الصين أكثر قوة من ترامب في لعبة الضغط الاقتصادي المتبادل

ورقة الصين أكثر قوة من ترامب في لعبة الضغط الاقتصادي المتبادل

تحليل اقتصادي

بقلم الدكتور حسن يوسف علي أستاذ الاقتصاد الفخري بجامعة أوهايو

يتضح من التطورات الحالية أن الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس ترامب ومساعدوه (بيتر نافارو – المستشار الاقتصادي – وسكوت بيسنت – وزير الخزانة – وهوارد لوتنيك – وزير التجارة) تستهدف عدة دول، لكن التركيز الآن منصب على الصين، وهو ما قد يؤدي إلى أضرار جسيمة للاقتصاد الأمريكي قبل أي اقتصاد آخر.

بمعنى آخر، الصين ستكون لها اليد العليا في هذه الحرب التجارية لعدد من الأسباب التي يمكن توضيحها فيما يلي:

أولاً: طبيعة السلع التي تستوردها أمريكا من الصين والعكس، حيث تستورد الصين من أمريكا سلع غذائية ذات قيمة مضافة منخفضة، كما ذكرت جريدة الفاينانشيال تايمز في تقريرها بتاريخ (15-4-25) أن “الصادرات الأمريكية إلى الصين تركز بشكل كبير على الزراعة”، مما يسهل على الصين العثور على موردين زراعيين آخرين في مختلف أنحاء العالم.

على النقيض من ذلك، ستواجه الولايات المتحدة صعوبة في استبدال العديد من السلع التي تستوردها من الصين، حيث أن هذه السلع تعتبر مدخلات صناعية وليست سلعا استهلاكية. وبعض السلع مثل المعادن الأرضية النادرة والمغناطيس (التي أوقفت الحكومة الصينية تصديرها كأحد ردودها على رفع التعرفة الجمركية) تعتبر ضرورية للعديد من الصناعات الحديثة وبعض الصناعات العسكرية.

وبالتالي، تستطيع الصين تعويض خسائر فقد الصادرات الأمريكية بطرق متعددة، فيما سيكون الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة لأمريكا من حيث مواجهة خسارة مدخلات الإنتاج الحيوية التي لا يوجد لها بدائل متاحة عالميًا.

ثانياً: تختلف طبيعة السوق الاستهلاكية الأمريكية عن السوق الصينية. هناك توافق داخل فريق ترامب على أن الهدف الرئيسي للسياسة الاقتصادية الأمريكية حالياً (كما جاء في صحيفة وول ستريت جورنال يوم (16-4-25)) هو “استخدام المفاوضات التجارية الحالية لعزل الصين”. وبالتالي، تركز أمريكا على تقليل قدرة الصين على التصدير نحو الخارج.

ومع ذلك، تستطيع الصين، بسوقها الاستهلاكي والإنتاجي الضخم (عدد سكان الصين الآن مليار و400 مليون)، التعامل مع فقدان بعض الصادرات من خلال تحفيز الطلب المحلي ودعم الصناعات المتضررة، بنفس الطريقة التي قام بها ترامب لمساعدة المزارعين الذين تضرروا من حربه التجارية الأولى، بينما لن تستطيع أمريكا مجاراة الصين في ذلك.

أما محاولة عزل الصين فلا أعتقد أنها ستنجح، إذ أن الدول الأخرى لن تستجيب الآن لمحاولات التفاوض الأمريكية للعزل، حيث فقد ترامب مصداقيته وأصبح إبرام صفقات مع الدول الأوروبية أمراً صعباً للغاية.

اليوم، بدأ يظهر الشك لدى الأوروبيين في قدرة أمريكا على الوفاء بالاتفاقيات التي تبرمها، حيث تسبب ترامب في تدمير جزء كبير من مصداقية الولايات المتحدة، بسبب إلغاء جميع الاتفاقيات التجارية الحالية وإجراء تغييرات جذرية في الرسوم الجمركية، مما يجعل الدول المتعاملة مع أمريكا غير متأكدة مما إذا كان الرئيس الحالي سيفرض رسومًا جديدة أم لا.

لذا، لماذا سترغب حكومة أوروبية في الانضمام إلى الحرب التجارية الأمريكية ضد الصين، وتدمير سلاسل التوريد الخاصة بها؟

إذا كانت الحجة هي أن هذه الخطوة ستحميها من رسوم ترامب، فلا أعتقد أن هناك أحدًا يثق في أن ترامب لن يفرض تعريفات عقابية على حلفائه المحتملين في المرة القادمة، لأسباب جدية أو تافهة.

ثالثاً: الاختلاف في طبيعة النظام السياسي والاقتصادي بين البلدين يجعل تحمل الخسائر التجارية أسهل بالنسبة للصين مقارنة بأمريكا. حيث يسمح الاقتصاد الصيني المركزي المدعوم من الدولة باستجابات سريعة ومنسقة تجاه الرسوم الجمركية، بما في ذلك دعم الصناعات المتضررة – كما ذُكر سابقًا – واتباع تدابير تحفيزية للحفاظ على النمو.

هذا على عكس النظام الفيدرالي الأمريكي، الذي يراه الصينيون نظامًا مجزأً (بين الولايات) ومقسمًا سياسيًا (بين الحزبين)، كما أن سياساته تتسم بأنها قصيرة الأجل بفعل كثرة الانتخابات (كل عامين)، مما لا يسمح للإدارة الأمريكية بتنفيذ خطة طويلة الأمد، على العكس من التخطيط الاستراتيجي الصيني للصمود في وجه الألم قصير المدى لتحقيق انتصار طويل الأمد.

رابعاً، أدت حالة الركود وعدم المرونة في الاقتصاد الأمريكي إلى وضع لم يكن موجودًا من قبل، بسبب الاعتماد على أساليب دكتاتورية في الحكم. لا يزال ترامب ومساعدوه (بيسينت ونافارو) يفكرون بشكل بدائي ومنفرد في الطرق التي يمكن أن تمنع وصول المنتجات الصينية إلى الأسواق الأمريكية والعالمية، في حين أن القضية الرئيسية الآن هي قدرة الصين على خنق الاقتصاد الأمريكي من خلال تعطيل سلاسل التوريد الخاصة به.

لقد تأثرت قدرة أمريكا على خوض حرب تجارية بشكل جسيم بسبب الانحدار نحو الحكم الاستبدادي.

هناك العديد من الاقتصاديين الأمريكيين الذين لا يتم الاستماع إليهم الآن، وتكلفة الابتعاد عن النظم الديمقراطية ستؤدي إلى هزيمة أمريكا في الحرب التجارية الحالية.

قد يهمك أيضاً :-