شحنات التصدير إلى السوق المحلية.. الصين تعيد تشكيل استراتيجيتها التجارية

شحنات التصدير إلى السوق المحلية.. الصين تعيد تشكيل استراتيجيتها التجارية

حملات إعلانية بمليارات اليوانات

بدأت عمالقة التجارة الإلكترونية في الصين بالتوجه نحو السوق المحلي وسط تزايد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.

وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، فقد أطلقت الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية في الصين – مثل علي بابا وجي دي دوت كوم وبيندودو – خططًا بمليارات اليوانات لمساعدة المصدرين التقليديين على إعادة التركيز على الأسواق المحلية. تأتي هذه المبادرات كجزء من حملة وطنية أوسع تسعى للتخفيف من تأثير الرسوم الجمركية والعقبات التنظيمية المتزايدة على الصادرات الصينية.

حملة علي بابا

ووفقاً للتقرير، أنشأت شركة علي بابا حملة واسعة يديرها فريق عمل لجمع المنتجات من أكثر من عشر مقاطعات صينية. ومن خلال منصاتها “تاوباو” و”تمال”، تهدف علي بابا إلى إدخال ما لا يقل عن 10,000 مصدر إلى السوق المحلي لبيع 100,000 نوع من المنتجات، مع تقديم عمولات أعلى وفرص عرض أفضل لتحفيزهم.

كما أعلنت سلسلة المتاجر التابعة لعلي بابا “فريشبو” عن فتح “قنوات خضراء” مخصصة لتمكين الموردين الموجهين للتصدير من بيع منتجاتهم مباشرةً على أرفف المتاجر.

وفي المقابل، سارعت شركة بيندودو إلى دعم التجار المتضررين من إلغاء الولايات المتحدة لإعفاء “دي مينيميس” الضريبي الذي كان يتيح دخول الطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار دون رسوم جمركية، والذي كان من المتوقع أن ينتهي في 2 مايو/أيار.

رداً على ذلك، تعهدت بيندودو باستثمار 100 مليار يوان (حوالي 13.7 مليار دولار) لمساعدة التجار على “التحول والتحديث”. وأكد الرئيس التنفيذي المشارك، تشاو جيازهن، استعداد الشركة لتحمل المخاطر والتكاليف، مع إعطاء الأولوية لاستقرار وربحية الشركات الصغيرة والمتوسطة.

بالإضافة إلى إلغاء الإعفاءات، تواجه العديد من السلع الصينية رسومًا جمركية تصل إلى 125% عند دخولها السوق الأمريكية، مما يجعل التصدير غير مجدٍ اقتصاديًا للعديد من الشركات.

صندوق بـ200 مليار يوان

أعلنت شركة جي دي دوت كوم عن إطلاق صندوق بقيمة 200 مليار يوان لشراء منتجات من المصدرين المحليين خلال العام المقبل. كما أطلقت شركات تكنولوجيا أخرى، مثل “تينسنت” المالكة لتطبيق وي تشات، و”بايت دانس” المالكة لتطبيقات تيك توك ودوين، وخدمة التوصيل “ميتوان”، مبادرات مماثلة لتعزيز الاستهلاك المحلي وتوجيه المنتجات المخصصة للتصدير إلى السوق الداخلية.

أعلنت شركة بايدو أنها ستتيح لمليون شركة الإعلان عن منتجاتها في البث المباشر مجانًا باستخدام “مضيفين افتراضيين” تم إنشاؤهم بالذكاء الاصطناعي. من جهتها، كشفت شركة ديدي للنقل التشاركي عن خطة استثمارية بقيمة 2 مليار يوان للمساهمة في استقرار التوظيف وتحفيز الاستهلاك، إلى جانب دعم المصنعين المحليين في التوسع عالميًا.

تشجيع حكومي ووحدة وطنية

وأشار لي تشنغ دونغ، مؤسس شركة استشارات التجارة الإلكترونية “هايتون” ومقرها بكين، إلى أن هذه التحركات نابعة من إدراك الشركات لمسؤوليتها السياسية والاجتماعية، وليس من تدخل حكومي مباشر. وقال: “الشركات الصينية تتحرك بدافع من الوحدة ضد الضغوط الأمريكية، وكل منها يقدم ما يستطيع تقديمه”. وأكد أن هذه المبادرات تعزز أيضًا سمعة الشركات لدى الرأي العام.

وأضاف لي أن الجمهور يراقب هذه الشركات عن كثب، مما يدفعها لاتخاذ قرارات تجارية ذكية تتماشى مع التوجهات الوطنية.

ومنذ حملة الحكومة الصينية لتنظيم قطاع التكنولوجيا في عام 2020، تم تذكير الشركات باستمرار بمسؤولياتها الاجتماعية.

دعم سياسي وشعبي

التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ في فبراير/شباط الماضي بعدد من رواد الأعمال البارزين، بينهم جاك ما (مؤسس علي بابا) وبوني ما (مؤسس تينسنت) ووانغ شينغ (مؤسس ميتوان)، في إشارة إلى استعادة القطاع لمكانته ضمن أولويات الحكومة.

وعززت وزارة التجارة الصينية جهودها لدعم المصدرين في التوجه نحو السوق المحلي، من خلال عقد اجتماعات مع اتحادات تجارية وسلاسل متاجر وموزعين لبحث سبل تسهيل هذا التحول. وخلال اجتماع في بكين بحضور نائب الوزير شنغ تشيوبينغ، أكدت الوزارة التزامها بمساعدة الشركات المحلية في مواجهة “الصدمات الخارجية”.

في الوقت ذاته، ظهرت بوادر استهلاك وطني قائم على الحس الوطني من قبل المستهلكين الصينيين، إلى جانب تحركات منظمة من “الفريق الوطني” المكون من صناديق مملوكة للدولة وشركات تقوم بإعادة شراء أسهمها لدعم سوق الأسهم المحلية.

من خلال هذا التوجه الجماعي من الشركات والحكومة، تسعى الصين إلى تعويض الخسائر الخارجية من خلال تنشيط السوق الداخلي الضخم، مما يمثل خطوة حاسمة لحماية الاقتصاد الوطني من التحديات الخارجية.

قد يهمك أيضاً :-