ترامب يعلن انتهاء عصر العولمة، والعالم يستعد للاحتمالات المرتبطة بـ “الصدمة الصينية الثانية”

ترامب يعلن انتهاء عصر العولمة، والعالم يستعد للاحتمالات المرتبطة بـ “الصدمة الصينية الثانية”

أثارت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقاشات واسعة حول مستقبل العولمة.

بعد أن كانت تُعتبر قوة لا يمكن وقفها، يبدو أن العولمة الآن في طريقها إلى الانحسار، وقد جاءت هذه الرسوم كمؤشر على ذلك وكعامل معجل في الوقت نفسه.

كانت العولمة، التي وعدت بتكامل اقتصادي يعود بالنفع على الجميع، اليوم موضع شك وسط تصاعد النزعات القومية، والتوترات الجيوسياسية، وخيبة الأمل بين المواطنين العاديين.

نقل تقرير لمجلة فورين بوليسي، عن إيسوار براساد، أستاذ سياسات التجارة بجامعة كورنيل، وإليزابيث براو، الباحثة في المجلس الأطلسي ومؤلفة كتاب وداعًا للعولمة، التحولات الجذرية في التجارة الدولية. وقد اتفق الاثنان على أن القوى التي كانت تدفع العولمة إلى الأمام قد تراجعت، وأصبح التركيز الآن على تقليل المخاطر ومراعاة الاعتبارات السياسية.

وأوضح براساد أن مفهوم العولمة القائم على تحقيق المنفعة المتبادلة من خلال التكامل الاقتصادي قد تآكل بسبب تأثيراته غير المتساوية داخل الدول. فعلى الرغم من أن الاقتصاد الأمريكي قد استفاد ككل من العولمة، إلا أن قطاعات معينة، مثل صناعة السيارات في ديترويت، تكبّدت خسائر فادحة، مما أثار ردود فعل سياسية وشعبية واسعة.

وأشار إلى أن بعض الدول لم تلتزم بقواعد التجارة العادلة، ما أدى إلى تحول في النظرة إلى التجارة العالمية من كونها “لعبة ربح للجميع” إلى “لعبة محصلتها صفرية”.

التراجع في الثقة في العولمة

قالت إليزابيث براو إن التراجع في الثقة بالعولمة لم يبدأ مع ترامب، بل سبق ذلك بسنوات، حيث بدأت بوادر الاستياء الشعبي بالظهور، مثل ما حدث في بريطانيا مع البريكست. ورغم أن الاقتصاديين والسياسيين دافعوا عن العولمة بدعوى أنها تحقق السلع الأرخص والنمو الاقتصادي، إلا أن كثيرين لم يقتنعوا. وجاءت جائحة كورونا والنزاعات الجيوسياسية لتعمق هذا التوجه.

كذلك، أعادت الشركات الغربية النظر في علاقاتها مع الأنظمة السلطوية مثل روسيا والصين. فقد بدأت الشركات تشعر بأن بيئة الأعمال في هذه الدول لم تعد آمنة أو مستقرة.

وضربت براو مثلاً بمدير شركة ورق ولب كان قد قرر التوقف عن الاستثمار في روسيا منذ أكثر من عقد، بسبب مخاوف من المستقبل الطويل الأمد هناك. وفي الصين، بدأت الشركات الغربية تشعر بأن الحكومة تتدخل بشكل متزايد، مع فرض شروط مثل نقل التكنولوجيا، مما جعل بيئة الأعمال غير مرحب بها.

الصين والتجارة العالمية

وأشار براساد إلى أن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في أوائل الألفية منحها وصولاً واسعاً إلى الأسواق الغربية، لكن دون أن تقابله بفتح أسواقها أمام الشركات الأجنبية، وهو ما سبب خللاً كبيراً.

سعت الشركات الأمريكية للاستفادة من السوق الصيني الضخم، لكن مع مرور الوقت، شعرت هذه الشركات أن الصين لم تكن تنوي الوفاء بالتزاماتها.

واليوم، العلاقة الاقتصادية بين الصين والغرب تشهد توتراً كبيراً. فبينما تفرض الولايات المتحدة الرسوم الجمركية، تسعى الصين لتعويض ضعف الاستهلاك الداخلي من خلال زيادة صادراتها، ما يثير مخاوف عالمية من موجة جديدة من السلع الصينية الرخيصة التي قد تهدد الصناعات المحلية في دول عديدة.

وقد وصف براساد هذا السيناريو بـ”الصدمة الصينية الثانية”، والتي قد تعيد تشكيل التجارة العالمية بشكل كبير. بالنسبة للشركات الكبرى، فإن هذا الوضع يمثل تحديات ضخمة. وتوضح براو أن تقليل الاعتماد على الصين عملية معقدة وطويلة. فحتى إن نُقل المصنع، قد تبقى سلسلة التوريد مرتبطة بالصين، مما يصعب الفصل الكامل. والأمر لا يتعلق بالاقتصاد فقط، بل أصبح قضية سياسية أيضاً، مع تصاعد المواجهات بين الغرب وكل من روسيا والصين.

وقد بدأت بعض الشركات بالفعل بالبحث عن بدائل، مثل فيتنام أو الهند أو المكسيك، لكن لا توجد دولة واحدة يمكنها تعويض الصين بالكامل. ومن المرجح أن تتشكل تحالفات إقليمية لتقديم بدائل جماعية. ومع ذلك، فإن الوقت عامل حاسم، والشركات التي تأخرت في الخروج من الأسواق الخطرة مثل روسيا تكبدت خسائر بمليارات الدولارات، أما الصين فخسائر الانسحاب منها ستكون أكبر بكثير.

وفي النهاية، العولمة لم تنتهِ، لكنها تتغير. لم يعد التركيز فقط على الكفاءة والربح، بل على الأمان والاستقرار والتحالفات الجيوسياسية. كما تقول براو، الشركات أصبحت اليوم على خطوط المواجهة في صراع أيديولوجي عالمي. النظام الاقتصادي العالمي المفتوح، الذي كان يبدو حتمياً، يتحول الآن إلى واقع مجزأ وغير مستقر.

قد يهمك أيضاً :-