هل حاول أحد اختراق هاتف وزير الدفاع الأمريكي؟

.

إعداد: محمد كمال
يؤكد خبراء بارزون في الولايات المتحدة أن منصب وزير الدفاع الأمريكي يُعتبر من بين أكثر خمس شخصيات أو ربما الأكثر استهدافاً لعمليات التجسس على مستوى العالم. ومن هنا، لا تُعد هناك أي فرصة لعدم محاولة اختراق هاتف الوزير الحالي بيت هيغسيث، خاصة وأن رقم هاتفه كان متاحاً على مواقع التواصل الاجتماعي حتى وقت قريب. ومن خلال تقنيات متقدمة للغاية تتمتع بميزة «الضغط صفر»، يمكن اختراق الهاتف، رغم أن هذا الاستنتاج لا يستند إلى أدلة موثوقة.
ـ تأتي محاولات التدقيق حول احتمال اختراق هاتف هيغسيث بالتزامن مع جدل متزايد داخل البنتاغون والكونغرس وغيرها من الهيئات، بعد أن شارك في خطط عسكرية من هاتفه الشخصي عبر محادثتين جماعيتين على تطبيق سيغنال، حيث تضمنت الأولى مجموعة من مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترامب، والثانية مع زوجته وشقيقه ومحاميه وآخرين، وتركزت حول الهجمات على معاقل الحوثيين في اليمن.
ـ يشير محللو الأمن السيبراني إلى أن جهاز الاتصالات المستخدم عادةً من قبل وزير الدفاع الأمريكي يُعتبر من أكثر أصول الأمن القومي حماية، حيث يُشدد مايك كيسي، المدير السابق للمركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن في الولايات المتحدة، على عدم وجود فرصة تُذكر لعدم محاولة تثبيت أي برنامج تجسس على هاتفه.
ـ توضح إيميلي هاردينج، خبيرة الدفاع والأمن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن: «عدم توفر رقم هاتف وزير الدفاع للعموم هو أمر حيوي». إلا أنه بعد فترة قصيرة من نشر أول محادثة عبر سيغنال حول الحوثيين في مارس/آذار، وجدت مجلة دير شبيجل الألمانية أرقام هواتف هيغسيث ومسؤولي إدارة ترامب الآخرين بسهولة عبر الإنترنت.
ـ «الوصول إلى المنزل»
ـ يقول جلين جيرستيل، المستشار العام السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكي: «إذا كنت تستخدم هاتفك للأنشطة العادية، فإنك تترك آثاراً رقمية واضحة يمكن للمتخصصين تتبعها، خاصة الأفراد المتقدمين على الصعيد التقني». في المقابل، تتمتع الهواتف الحكومية بمستوى أمان أعلى نتيجة لضوابط صارمة تهدف لحماية الاتصالات الرسمية.
ـ ويرى الخبراء أنه مع استخدام نفس رقم الهاتف على تطبيق سيغنال لمناقشة أوقات العمليات العسكرية ومواضيع حساسة أخرى، منح هيغسيث الفرصة للخصوم الأجانب، الذين أثبتوا قدرتهم على اختراق حسابات المسؤولين الأمريكيين، سواء كانت مشفرة أو غير مشفرة.
ـ يؤكد جيمس لويس، خبير الأمن السيبراني، أن: «أرقام الهواتف تشبه عنوان الشارع الذي يُرشد المستهدفين إلى المكان الذي يجب اقتحامه، وبمجرد حصولك على هذا العنوان، يمكن الوصول إليك، حتى وإن كانت الأبواب مغلقة، مما يتطلب البحث عن الوسائل المتاحة للتجاوز أو تطوير مفاتيح اختراق في حال عدم توفرها».
ـ النقرة الصفرية
ـ يشير عدد من الخبراء إلى عدم اليقين حول تعرض هاتف هيغسيث للاختراق أو أي هجوم محتمل، لكن الهواتف الشخصية تُعتبر في العادة أكثر عرضة للخطر من الهواتف الحكومية. أوضح أن «الهاكر» قد يسيطر على هاتف بسهولة بمجرد حصوله على الرقم، على افتراض أنك ضغطت على رابط خبيث، إلا أن الأمور تتعقد عندما يتعلق الأمر بجهات اختراق أكثر تقدماً، حيث يمكن الولوج إلى الهاتف حتى بدون أي ضغط.
ـ يكشف خبراء الأمن السيبراني أن أدوات برامج التجسس الأكثر تطوراً تتمتع بتقنية «النقرة الصفرية»، مما يعني أنها تستطيع استخراج المعلومات من هاتف المستهدف عن بُعد، سراً، دون الحاجة للنقر على رابط خبيث، بل ويمكن لهذه البرامج تحويل الهاتف إلى جهاز تتبع وتسجيل سري يسمح بالتجسس على صاحبه.
ـ رغم أن تطبيق سيغنال مشفّر ويُعتبر آمناً عموماً، إلا أن مسؤولين سابقين أشاروا إلى أن البرامج الخبيثة التي تُثبّت مسجل ضغطات الأزرار يمكن أن تتيح للمخترق قراءة ما يقوم المستخدم بكتابته. في حالة استخدام هيغسيث لتطبيق سيغنال، فإن برامج التجسس قد تتمكن من رؤية ما كان يكتبه أو يقرأه قبل الضغط على زر «إرسال»، إذ إن سيغنال مشفّر أثناء لحظات الإرسال والاستقبال، حسبما ذكر خبراء الأمن السيبراني.
ـ تحذير من مشاركة سيغنال
ـ حسب مصدر مطلع على محادثة سيغنال، فقد قام مساعدو هيغسيث بتحذيره قبل يوم أو يومين من الغارات في اليمن 15 مارس/آذار من مناقشة تفاصيل عمليات حساسة في دردشة جماعية. ورغم تشفيرها، لم تُعتبر هذه الدردشة آمنة بقدر القنوات الحكومية.
ـ كما قام هيغسيث أيضاً بتثبيت تطبيق سيغنال على جهاز كمبيوتر في مكتبه بالبنتاغون ليمكنه إرسال واستقبال الرسائل في مكان يُمنع فيه استخدام الهواتف المحمولة، وفقاً لمصادر مطلعة. وذكر أحد المصادر أن لديه جهازي كمبيوتر في مكتبه، أحدهما للاستخدام الشخصي والآخر للحكومة.
ـ يشير النائب دون بيكون، الجمهوري من نبراسكا، والذي اقترح إقالة هيغسيث، لشبكة CNN: «أضمن لكم أن روسيا والصين موجودتان في كل مكان على الهاتف المحمول لوزير الدفاع».
ـ ظهور عبر الإنترنت
ـ أكدت مصادر متعددة أن رقم الهاتف الشخصي لوزير الدفاع الأمريكي، الذي استخدامه في دردشة سيغنال الحساسة، كان متاحاً بسهولة عبر الإنترنت والتطبيقات العامة حتى مارس/ آذار الماضي، ما قد يعرض أمن القومي للخطر.
ـ كان هيغسيث نشطاً على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك حساب على تطبيق واتساب وصفحة على فيسبوك، ولا يزال يحتفظ بها حتى الآن. وفي 15 أغسطس/ آب 2024، استخدم رقم هاتفه الشخصي للانضمام إلى «فنتازي» لكرة القدم، مستخدماً اسم «PeteHegseth». وبعد أقل من أسبوعين، انضم رقم هاتف زوجته جينيفر إلى الموقع، وشاركت في إحدى دردشتي سيغنال حول الضربات في اليمن.
ـ تشير التدقيقات إلى أن هيغسيث استخدم هاتفه للتسجيل في تطبيقات مثل Airbnb وMicrosoft Teams، المخصصة للفيديو والاتصالات، وهو مرتبط بإيميلين اثنين مرتبطين بملف شخصي على خرائط جوجل.
ـ تقييم لسباك وطبيب أسنان
ـ ومن المفارقات أن تقييمات هيغسيث على خرائط جوجل تتضمن توصيات لطبيب أسنان، حيث علق: «الطاقم رائع»، وكذلك لعمل سباكة وصفه بـ«عمل سريع، صادق، وعالي الجودة»، وكذلك رسام جداريات، حيث قال له: «رسم لنا علمين جميلين.. رائع»، وغيرها من الشركات، علماً أنه تم طمس عنوان الشارع الخاص بمنزل هيغسيث السابق.
ـ يؤكد خبراء الأمن أنه ليس من غير المعتاد أن يكون رقم هاتف هيغسيث الخاص متاحاً بسهولة عبر مقدمي خدمات المعلومات التجارية، فبعد كل شيء، كان مواطناً عادياً حتى تم تعيينه وزيراً للدفاع، الذي تبلغ ميزانيته حوالي 849 مليار دولار سنوياً ويعمل فيه أكثر من ثلاثة ملايين موظف عسكري ومدني.
ـ يقول عدد من مسؤولي الدفاع والأمن في الولايات المتحدة، إنه أصبح من العادي الآن أن يحتفظ المسؤولون الأمريكيون بهواتفهم الشخصية خلال تواجدهم في مكاتبهم، لكن ليس من المفترض أن يستخدموها في الأعمال الرسمية كما فعل هيغسيث، لدرجة أن الموظفين الفيدراليين من المستوى المنخفض تلقوا تعليمات بعدم استخدام هواتفهم المحمولة وأجهزتهم الشخصية في الأمور المتعلقة بالعمل. وبالنسبة لكبار مسؤولي الأمن القومي، فإن التوجيه يكون أكثر أهمية، حسبما ذكر مسؤول كبير سابق في البنتاغون.
ـ في العام الماضي، تم الكشف عن تسريبات حول كيفية اختراق جماعات هاكر صينية متطورة تُدعى «سولت تايفون»، ما لا يقل عن تسع شركات اتصالات أمريكية، وأفاد المحققون أن من بين الأهداف خطوط الهاتف التجارية غير المشفرة التي استخدمها ترامب ونائب الرئيس جيه دي فانس وكبار مسؤولين في الأمن القومي.

مقال له علاقة: بين التحديات في غزة وأوكرانيا.. ترامب يتوجه نحو قضية إيران