مدعية نيويورك تواجه تحديات كبيرة لاختراق دائرة ترامب بقانون مارتن

مدعية نيويورك تواجه تحديات كبيرة لاختراق دائرة ترامب بقانون مارتن

إعداد: محمد كمال

تقوم المدعية العامة لنيويورك، ليتيتيا جيمس، بتعقب الأنشطة المالية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بحثًا عن أي تداولات مشبوهة، وذلك في أعقاب تقلبات الأسواق المالية التي شهدتها البلاد بعد فرضه تعريفات جمركية غير مسبوقة، ثم تراجعه المفاجئ عن بعضها، وتستند جيمس في تحقيقاتها إلى “قانون مارتن”، الذي يعود تاريخه إلى 104 أعوام، كما تتابع 15 إجراءً قانونيًا آخر ضد أوامر ترامب خلال المئة يوم الأولى من رئاسته.

وقد وصف مدعون عامون سابقون تحقيقات جيمس بأنها غير مسبوقة، بينما اعتبر مؤيدو ترامب هذه التحقيقات “مسيسة” وتفتقر إلى الجدية، مؤكدين أنها محكوم عليها بالفشل.

ـ قانون مارتن:

أشار خبراء قانونيون إلى أن استخدام جيمس لقانون مارتن في هذه الحالة هو أمر غير معتاد، حيث يمنح هذا القانون المدعين العامين في نيويورك سلطات استثنائية لمراقبة أنشطة “وول ستريت”، ويعتبره الخبراء أقوى قانون حكومي لمكافحة الاحتيال في الأوراق المالية في الولايات المتحدة، حيث يتيح للمدعي العام إصدار أوامر استدعاء واستجواب المشتبه فيهم تحت القسم، ورفع دعاوى مدنية أو جنائية.

ـ أشرس مهاجمة:

تُعتبر ليتيتيا جيمس من أكثر المدعين العامين شراسة في الولايات المتحدة، حيث تقف وراء 15 إجراءً قانونيًا ضد ترامب، وتسعى جاهدة لمنع الأوامر التنفيذية والتخفيضات الفيدرالية، ولا يزال حكمها بشأن الاحتيال بقيمة 454 مليون دولار ضد ترامب وشركته العقارية قيد الاستئناف في مانهاتن، لكن المواجهة الأكثر جرأة التي قامت بها حتى الآن تتعلق بتحقيقات حول تداولات محتملة قريبة من ترامب، خاصة بعد الانخفاض والارتفاع المفاجئ في الأسواق المالية.

وأكد متحدث باسم جيمس لموقع بيزنس إنسايدر أن ما يُعرف بـ “تحقيق جيمس” قد دخل شهره الثاني، رافضًا الكشف عن تفاصيل إضافية، مكتفيًا بالإشارة إلى أن مكتب المدعية العامة ينظر في التداول الداخلي المحتمل.

ـ مسألة شديدة التعقيد:

يشير البعض إلى المخاوف المستمرة لدى أعضاء الكونغرس بشأن “التداول الداخلي”، ويعتبرون التحقيق الجاري ممارسة سليمة وضرورية من قبل المدعي العام، الذي يقع مكتبه على بُعد ثلاث بنايات فقط من بورصة الأوراق المالية، بينما يرى آخرون أن تحقيق جيمس هو مشروع مُستهتر بدوافع سياسية، محكوم عليه بالفشل، حيث أكد ريتشارد إبستاين، أستاذ القانون بجامعة نيويورك، أن هذه قضية سياسية وليست قانونية.

يجد المحللون أن إثبات التداول بناءً على معلومات داخلية أمر بالغ الصعوبة، وأشاروا إلى أن ما يحدث خلف الكواليس هو أيضًا غير مسبوق، حيث قال أرمين موريان، المدعي العام السابق للجرائم المالية، إنه لم يحدث شيء من هذا القبيل من قبل.

فيما يعتقد الخبراء القانونيون أنهم لم يسمعوا قط عن استخدام قانون مارتن للتحقيق في نصائح داخلية تتعلق بالسياسات الحكومية، مثل التعريفات الجمركية المتقطعة التي فرضها ترامب.

وأشار أحد المدعين العامين السابقين إلى أن حداثة التحقيق لا تعني فشله، حيث توجد مجموعة من قوانين التداول الداخلي بموجب قانون مارتن، طُوّرت على مدى عقود، لكن ليس على مثل هذه البيانات الدقيقة.

ما هو تحقيق المدعي العام؟

أوضحت مانيشا شيث، المدعية العامة التنفيذية السابقة، أن “التحقيق” هو المرحلة الأولى التي يطلقها مكتب المدعي العام في نيويورك قبل إصدار أوامر الاستدعاء، حيث يمكن أن تبدأ التحقيقات المتعلقة بالأوراق المالية بناءً على نصائح من أشخاص يكشفون عن مخالفات أو من خلال مزاعم تظهر علنًا في الصحافة أو من خلال دعاوى قضائية، ويقوم مكتب حماية المستثمرين الحكومي بهذه المهام.

وأكدت أن المدعين العامين، بالتعاون مع محللي الأبحاث وعلماء البيانات، سيبدأون بمراجعة بيانات التداول الخام بحثًا عن أي أنماط مشبوهة.

ـ من أين يبدأ التحقيق؟

سيتم البحث عن إجابات لأسئلة مثل: هل كانت هناك ارتفاعات مفاجئة في التداول؟، خصوصًا حول يوم 9 إبريل/ نيسان، في الساعات التي سبقت إعلان ترامب على موقعه “تروث سوشيال” أن “هذا هو الوقت المناسب للشراء !!!”، وما تبعه من ارتفاع في السوق قبل ساعات من تعليق حزمة واسعة من الرسوم الجمركية، ويمكن أن تطلب المدعية العامة وثائق أو بيانات أو معلومات، وفي بعض الأحيان، قد يتطوع متلقي رسالة الاستفسار لمقابلة المكتب لتقديم المعلومات المطلوبة، ويكون التعاون في هذه المرحلة طوعيًا تمامًا.

إذا تطورت القضية إلى إصدار أوامر استدعاء، فسيكون التحقيق قد دخل مرحلة أكثر جدية، حيث توقع أنتوني كابوزولو، المدعي العام الفيدرالي السابق، أن المدعية العامة ستسعى لبناء حالة أولية تظهر أن المعلومات الداخلية المزعومة كانت العامل المحفز الوحيد لصفقات معينة، لكنه أشار إلى أن تجميع بيانات التداول أصبح أكثر صعوبة هذه الأيام.

ـ معركة الاستدعاء:

قبل ترامب، كان المدعي العام يطلب بشكل روتيني من هيئة الأوراق المالية والبورصات بيانات التداول التي لم تكن متاحة للجمهور، لكن كابوزولو توقع أن “لجنة الأوراق المالية والبورصات تخضع الآن لسيطرة إدارة ترامب، ومن المحتمل أن يصدر تعليمات بعدم التعاون، مما يؤدي إلى معركة استدعاء.

كما افترض خبراء قانونيون سيناريو محتمل، حيث يمكن أن يحقق أحد المقربين من ترامب ثروة صغيرة من خلال شراء أسهم شركة عند انخفاضها مباشرة قبل أن يعلن ترامب إعفاء منتجات من الصين من الرسوم الجمركية، مما أدى إلى ارتفاع سعر السهم.

ـ البحث عن شهود:

يؤكد الخبراء أن هذا لا يكفي لإثبات التداول بناءً على معلومات داخلية، ولذلك ستحتاج المدعية العامة إلى شهود مستعدين للإدلاء بشهاداتهم بأن استثمارات محددة كانت مدفوعة بمعلومات داخلية، وغالبًا ما ستسعى المدعية العامة لإجبار البعض على إخبارها بمن كان موجودًا في الغرف المغلقة أثناء مناقشة الأوامر، لكن التحدي يكمن في أن الكثير من هذه الأمور قد حدثت بحضور شخصيات رفيعة المستوى، ومن المؤكد أن أي شخص في دائرة ترامب سيقاوم خطاب التحقيق أو الاستدعاء.

ـ الحصانة الرئاسية:

يقول أحد المتخصصين إن مقاضاة ترامب أو توجيه اتهامات إليه أو استدعاءه أمر مرفوض، نظرًا لما يتمتع به من امتياز تنفيذي وحصانة رئاسية تمنع الملاحقة القضائية على أفعاله الرسمية، ويتوقع أن تمتد الحصانة لتشمل القضايا المدنية أيضًا إذا وصلت إلى المحكمة العليا، كما يمكن الطعن في أوامر الاستدعاء الصادرة عن المدعي العام للولاية لأعضاء السلطة التنفيذية، وإذا تقدم التحقيق في تداول المعلومات الداخلية، فقد تواجه المدعية العامة اتهامات بالانتقام السياسي والتحيز.

ـ مطاردة الساحرات:

هاجم ترامب المدعية العامة ليتيتيا جيمس، واصفًا إياها بـ “الفاسدة”، وطالب بإقالتها، متهمًا إياها بالتدخل “الإجرامي” في الانتخابات، أثناء مثوله أمام المحكمة قبيل فوزه في الانتخابات بتهمة تضخيم أصوله العقارية، واعتبر محاولتها “مطاردة الساحرات”، وُلِدت ليتيتيا جيمس في بروكلين عام 1958، وهو نفس المكان الذي وُلِد فيه ترامب قبلها بعشر سنوات، وقد مارست مهنة المحاماة في نيويورك منذ عام 1989، وفازت في انتخابات عام 2018 لتصبح المدعي العام متغلبة على ثلاثة مرشحين آخرين، ولم تتردد في متابعة التحقيق في الممارسات التجارية المتعلقة بترامب.

قد يهمك أيضاً :-