
في عام 1989، أدهشت الأكاديمية السويدية الأوساط الأدبية العالمية بمنح جائزة نوبل في الأدب للكاتب الإسباني كاميلو خوسيه ثيلا، وهو قرار أثار جدلاً كبيرًا، لكنه أعاد تسليط الضوء على مسيرة أدبية جريئة، قادها صاحب “عائلة بسكال دوارتي” بأسلوب يشبه المشرط، ولم يرضخ يومًا للتقاليد.
من نفس التصنيف: اختيار رامي صبري لإحياء حفل افتتاح البطولة الإفريقية للشباب المؤهلة لكأس العالم
حيثيات التكريم: أدب الخدش والعمق
وصفت الأكاديمية أعمال ثيلا بأنها “رسم لقوة تجديدية داخل فن الرواية، متجذرة في التقاليد الإسبانية، وتعرض الواقع بعين تهكمية لا تخلو من قسوة”، وهذا الوصف لم يكن مجرد مجاملة تقليدية، بل كان إقرارًا بأن أدب ثيلا يحمل طابعًا تجريبيًا، لا يخشى التوغل في المناطق المعتمة من النفس البشرية، ولا يتردد في استخدام لغة صادمة في خدمة الحقيقة الأدبية.
بين فرانثيسكو دي كيبيدو وثيلا: التراث الحي
ثيلا لم يكن غريبًا عن تقاليد الأدب الإسباني، بل كان وريثًا لجيل من الأدباء الذين مزجوا الفلسفة بالسخرية، مثل كيخوتي سرفانتس وكيبيدو، لكنه، على عكس الكثير من مجايليه، اختار أن يصدم القارئ بدلاً من مواساته، وأن ينقل له صوت المهمشين والمنبوذين والمحرومين، دون تزيين الواقع أو تلميعه.
رواياته في ميزان نوبل
روايته الأولى “عائلة بسكال دوارتي” (1942) تعد من أبرز محطاته، حيث صور من خلالها عنف الإنسان وغرائزه في ظل مجتمع مقموع ومضطرب، ثم جاءت “الخلية” (1951)، لتظهر قدرته على تشريح الواقع الاجتماعي في مدريد ما بعد الحرب، من خلال مشاهد متداخلة، وأسلوب قريب إلى الكاميرا السينمائية، وفي سنواته الأخيرة، أثار كتابه “المعجم السري” الكثير من الجدل، بسبب تناوله للمفردات الجنسية الشعبية، مما عزز صورته كمبدع لا يخشى كسر المحظورات.
اقرأ كمان: عرض فيلم “Moon the Panda” في دور العرض السينمائية بمصر اليوم.
جدل الجائزة: تقدير أم تحدٍ؟
لم يمر تكريم ثيلا مرور الكرام، فقد اعتبره بعض النقاد اعترافًا بتجديده الأدبي، بينما رآه آخرون “انحيازًا” لشخصية أثارت الكثير من الاستفزاز في مسيرتها، سواء بسبب لغته الفظة أحيانًا أو مواقفه السياسية المتأرجحة، لكن الواقع أن نوبل في عام 1989 كانت بمثابة تتويج لأديب صنع لغته الخاصة، وواجه بها واقعًا إسبانيًا ظل لسنوات طويلة حبيس الصمت والرقابة.
أثره بعد الجائزة
بعد فوزه، ازداد الاهتمام بأعمال ثيلا عالميًا، وترجمت رواياته إلى العديد من اللغات، كما أعيد تقييم أدبه من زاوية مختلفة، باعتباره شاهدًا صادقًا على التحولات الاجتماعية والنفسية في إسبانيا القرن العشرين.
قد يهمك أيضاً :-
- من النضال الفرنسي إلى جائزة نوبل: الوجه الآخر لصمويل بيكيت
- الأدب كوسيلة لتعزيز الإيمان: كيف استخدم جابر قميحة الشعر لنصرة الإسلام؟
تعليقات