«صوت الحرية يتلاشى»: التحديات المقلقة لمستقبل الإعلام العربي!

«صوت الحرية يتلاشى»: التحديات المقلقة لمستقبل الإعلام العربي!

بمجرد توقيع قلم، توقفت قناة «الحرة» عن البث بعد 23 عامًا من انطلاقتها بسبب قطع تمويلها تنفيذاً لقرار الرئيس الأمريكي التنفيذي، مع تعهد إدارتها بمواصلة المعارك القضائية لاستعادة تخصيصاتها المالية من الكونغرس. هذا القرار أدى إلى إحالة جيش من الصحفيين والتقنيين إلى البطالة، ليس فقط في أمريكا ولكن أيضًا في مكاتب الحرة عبر العالم!

جاء قرار إغلاق الحرة نتيجة قطع التمويل من الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي (USAGM) بأمر من الرئيس ترامب، في خطوة تهدف لتقليص المصاريف الحكومية، مما أدى إلى تسريح مئات الموظفين، بينهم صحفيون ومنتجون وفنيون، في قرار «تصفية» أثار موجة من الغضب والانتقادات الشديدة، واعتُبر بمثابة «حرب» على العاملين في القناة وعلى حرية الصحافة.

قناة الحرة

تسريح مفاجئ

إغلاق القناة ترك الموظفين والصحفيين في «الحرة» يواجهون تحديات اقتصادية ونفسية ومهنية غير مسبوقة، حيث تم تسريح جميع العاملين في مكاتب القناة في واشنطن ودبي وإنهاء خدمات جميع الموظفين. وُصفت هذه الخطوة بأنها نتيجة مباشرة لتوجهات التقشف في عهد ترامب.

تشير التقديرات إلى أن عدد المتضررين من قرار الإغلاق يتراوح بين 300 إلى 400 موظف، بما في ذلك صحفيون وفنيون، الذين لم يحصلوا على تعويضات مالية كافية أو خطط لإعادة توظيفهم، مما زاد من شعورهم بالظلم. ووصفت هذه الخطوة بأنها «مفاجئة»، حيث لم يُمنحوا وقتاً كافياً للتحضير لفقدان وظائفهم. في بعض الحالات، تلقى الموظفون إخطارات التسريح عبر البريد الإلكتروني دون مفاوضات أو توضيحات مباشرة.

التأثير الاقتصادي

فيما يتعلق بالعاملين في مكتب القناة بدبي، حيث تكلفة المعيشة مرتفعة، يواجه عدد كبير منهم صعوبات مالية فورية، خاصةً أولئك الذين لديهم عائلات. في واشنطن، أدت عملية التسريح إلى فقدان التأمين الصحي ومزايا أخرى، مما زاد من الضغوط على الموظفين.

قناة الحرة

في الوقت نفسه، عبر العديد من الصحفيين عن شعورهم بالإحباط والخيانة، خاصةً بعد سنوات من العمل في ظروف صعبة، بما في ذلك تغطية الأزمات في المنطقة العربية. البعض منهم تحدث عن فقدان هويتهم المهنية، حيث كانت القناة منصتهم الأساسية للعمل الصحفي ومصدر دخلهم الوحيد في ظل التراجع والانهيار الذي يعيشه سوق الإعلام في المنطقة العربية. فرص العمل في القنوات الكبرى مثل الجزيرة أو العربية محدودة وتنافسية للغاية.

الهجرة المُرة

يواجه العديد من الصحفيين صعوبة في إيجاد وظائف بديلة تتناسب مع خبراتهم، خاصةً أولئك الذين عملوا في الحرة لسنوات طويلة.

قد يضطر بعض الموظفين إلى الهجرة بحثاً عن فرص عمل في دول أخرى، وهو خيار مكلف ومعقد، وآخرون يفكرون في تغيير مسارهم المهني بالكامل، مثل الانتقال إلى القطاع الخاص أو العمل الحر، مما يتطلب إعادة تدريب واستثمارًا إضافيًا.

التحديات الأمنية

بعض الصحفيين، خصوصًا أولئك الذين عملوا في مناطق النزاع مثل العراق وسوريا، يخشون من تبعات فقدان وظائفهم، حيث كانت القناة توفر لهم حماية واستقرارًا نسبيًا. التشريد المهني قد يدفع العديد منهم إلى العمل الحر أو الانضمام إلى منصات رقمية، لكن ذلك يتطلب دعمًا ماليًا وتدريبًا، بجانب أن الضغوط النفسية والاقتصادية قد تؤثر على جودة حياتهم لسنوات قادمة.

قناة الحرة

من جهة أخرى، فإن إغلاق الحرة يقلل من التنوع الإعلامي في المنطقة، خاصةً في ظل هيمنة قنوات إقليمية مثل الجزيرة والعربية، وقد يؤدي إلى انخفاض التغطية المستقلة لبعض القضايا، خاصة تلك المتعلقة بالسياسة الأمريكية.

«حرب ترامب» على الإعلام

منذ عودته الثانية إلى البيت الأبيض في 17 يناير الماضي، صعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هجماته على الصحافة والإعلام، وهو يشكك في الاستقلالية التحريرية لوسائل الإعلام الممولة من الحكومة. تتلقى قناة «الحرة» تمويلًا حكوميًا، لكنها لا تُعتبر ذراعًا للحكومة الأمريكية، خلافًا لإذاعة «صوت أمريكا».

رأى محللون أن قرار ترامب جزء من استراتيجيته لتقليص الإنفاق الحكومي، خاصةً على المشاريع التي يراها «غير ضرورية»، مثل الإعلام الممول خارجيًا. بينما اعتبر آخرون أن القرار يعكس سياسة «أمريكا أولاً»، حيث تُعطى الأولوية للنفقات الداخلية على حساب التأثير الدولي.

في المقابل، دافع بعض مؤيدي ترامب عن القرار، معتبرين أن القناة لم تحقق أهدافها في جذب الجمهور العربي وأن تمويلها كان عبئًا على دافعي الضرائب الأمريكيين.

كانت «الحرة» جزءًا من استراتيجية «القوة الناعمة» الأمريكية في الشرق الأوسط. إغلاقها يُنظر إليه كتقليص للنفوذ الإعلامي الأمريكي، مما قد يعزز ظهور قنوات ممولة من دول أخرى (مثل RT الروسية أو CGTN الصينية) ويدفع دولًا إقليمية مثل قطر والمملكة العربية السعودية لاستغلال الفراغ لتعزيز تأثير قنواتها، مما يزيد من الاستقطاب الإعلامي في المنطقة حيث تتماشى العديد من القنوات مع أجندات سياسية محددة.

قناة الحرة

بالنسبة للجمهور الذي اعتمد على الحرة كمصدر إخباري، سيضطر إلى البحث عن بدائل وقد يواجه صعوبة في العثور على مصادر بنفس التوجه أو الموضوعية المتوقعة، ومع تراجع المنصات التلفزيونية التي تقدم محتوى متوازن نسبيًا، قد يتجه الجمهور إلى مصادر إعلامية أكثر استقطابًا، مما يعزز الانقسامات السياسية والاجتماعية.

عقاب جماعي

عبر الصحفيون عن غضبهم عبر منصة «X»، حيث وصفوا القرار بأنه «عقاب جماعي» لهم ولعائلاتهم. بعضهم نشر قصصًا شخصية عن معاناتهم، كفقدان الدخل والتأمين الصحي، مما أثار تعاطفًا واسعًا.

لجنة حماية الصحفيين (CPJ) أدانت القرار، معتبرةً أنه يعرض حياة الصحفيين للخطر ويقوّض الجهود الدولية لدعم حرية التعبير ونقابات الصحافة، مثل نقابة الصحفيين العراقيين، وطالبت بتعويضات عادلة ودعم للعاملين المتضررين.

كتب محمد فراونة عبر منصة «إكس» أن هذا الحدث يذكّرنا بدرس مهم: «من لا يملك منصته الإعلامية، سيظل صوته أسيراً لغيره، إذ أن الخط التحريري قد يُرسم في مكان آخر، وتُغلق القنوات عندما تتغيّر»، بينما وصف المدون أحمد حفصي القرار بأنه مثال واضح من ترامب عن استخدام المبادئ المباحة كسرها في أي وقت ولأي سبب! وكتب ساخراً: «هنا يعلمنا ترامب أن نتمرد على كل صنم صنعه لنا الغرب إذا اقتضت ذلك مصالح الدول ذات السيادة.. شكراً ترامب لهذا الدرس المفيد!».

ضربة لـ«حرية الصحافة»

قال جيفري غدمين، الرئيس التنفيذي لشبكات الإرسال في الشرق الأوسط، التي تضم قناة «الحرة» وغيرها من وسائل الإعلام العربية الصغيرة الممولة من قبل الولايات المتحدة: «إن إنهاء برامج (الحرة) يمكن أن يفتح الطريق أمام خصوم الأمريكيين والمتطرفين الإسلاميين».

أعلن «غدمين» أن القناة ستقاضي الكونغرس للإفراج عن التمويل المجمّد، واصفًا قرار ترامب بأنه «غير قانوني» و«ضربة لحرية الصحافة».

إغلاق قناة «الحرة» يمثل نهاية مرحلة من الإعلام العربي الممول أمريكيًا، ويترك خلفه عشرات الصحفيين يواجهون مستقبلًا غامضًا. هذا القرار، الذي يجمع بين الاعتبارات المالية والسياسية، يعكس تحديات الإعلام في عصر المنافسة الإقليمية والدولية، بينما يبحث العاملون عن بدائل، تبقى القضية درسًا في أهمية الاستقلالية المالية والمهنية لضمان استمرارية الصحافة الحرة.

قد يهمك أيضاً :-