
بعد مرور أكثر من 3 سنوات على العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، يبدو أن العقوبات الغربية بدأت تُظهر تأثيرًا واضحًا على القدرات الإنتاجية لموسكو، ولا سيما في مجالات الأسلحة والتقنيات العسكرية.
مع انهيار وارداتها من المعدات الصناعية والشرائح الإلكترونية، تجد روسيا نفسها مضطرة للاعتماد على موردين غير معروفين وطرق غير تقليدية، مما يشكل مخاطرة تهدد جودة تسليحها وكفاءة جيشها.
بينما تواجه الآلة العسكرية الروسية تحديات، تبرز فرص جديدة أمام الأوروبيين، بما في ذلك الفرنسيين، لتعزيز تفوقهم التكنولوجي والاقتصادي.
تراجع تدريجي في واردات روسيا الصناعية
وفقًا لتحقيق استقصائي منشور على موقع The Insider استنادًا إلى بيانات الجمارك، تراجعت واردات روسيا من المعدات الصناعية إلى 6.8 مليار يورو في عام 2024، مقارنة بـ9.6 مليار يورو في 2023، ما يشير إلى انخفاض يتجاوز 30%. ويظهر هذا التراجع بشكل أكبر عندما يتعلق الأمر بالمكونات الدقيقة الضرورية للصناعة العسكرية، مثل الشرائح الإلكترونية والمجسات والمعالجات البصرية.
وكشف التقرير أن الصين، التي كانت تُعتبر الحليف الاقتصادي الأول لموسكو، خفّضت صادراتها الصناعية إلى روسيا بعشرة أضعاف خلال عام 2024. وانخفضت واردات المكونات المصنعة في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة بنسبة مذهلة تصل إلى 94% (أي تم تقليصها 17 مرة)، وفقًا لمجلة “سليت” الاقتصادية الفرنسية.
سلاسل التوريد… في حالة تفكك
اعتمدت روسيا في السابق على سلاسل إمداد معقدة وموهومة لتجاوز الحظر الغربي، شملت دولًا مثل تايوان وتركيا وهونغ كونغ وإسرائيل وجمهوريات آسيوية. ومع ذلك، أصبحت الآن غير قادرة على الحصول حتى على المعدات الأساسية مثل ماكينات تشكيل المعادن وأدوات القياس الدقيقة وخطوط المعالجة المعدنية والشرائح الدقيقة.
من الملفت أن دولًا غير متوقعة مثل الغابون وهايتي والكونغو الديمقراطية بدأت تصدّر إلى روسيا، مما يدل على الاتجاه نحو أسواق رمادية وأحيانًا مجهولة المصدر.
ومع ذلك، فإن معظم هذه البدائل، بحسب The Insider، لا تقترب من مستوى الجودة الذي كانت توفره الشركات الغربية أو الآسيوية الكبرى. وعليه، تواجه موسكو خطر إنتاج معدات عسكرية أقل كفاءة، مما قد يؤثر سلبًا على أداء الجيش الروسي في ساحات القتال.
التراجع لا يرتبط فقط بالعقوبات
تشير التحليلات الاقتصادية إلى أن التراجع لا يعود فقط إلى تشديد العقوبات، بل أيضًا إلى خوف بعض الموردين من التعرض للعقوبات الغربية، وتراجع ميزانية روسيا المخصصة للمعدات الصناعية، واعتماد جزئي على المخزون المتوفر منذ 2023 بعد عمليات تحديث داخلية محدودة، بالإضافة إلى استغراق تهريب غير معلن، وهي وسيلة يصعب الاعتماد عليها صناعيًا على المدى الطويل.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي في معهد IFRI للدراسات الدولية الفرنسي، بيير كازانوف، لـ”العين الإخبارية” إن الصناعة العسكرية الروسية تدخل الآن مرحلة الخنق البطيء.
وأضاف: “في السابق، كانت روسيا قادرة على الالتفاف على العقوبات عبر سلاسل غير رسمية، ولكن الآن تم تقليص هذه القنوات تدريجيًا. كما اعتبر أن اعتماد الكرملين على موردين غير معروفين يعد بمثابة اللعب بالنار: المعدات قد تكون غير متوافقة مع المعايير، مما يضعف القدرات القتالية الروسية.”
ويتابع: “إذا استمر هذا الاتجاه، فقد نشهد تراجعًا ملموسًا في فعالية الأسلحة الروسية مع نهاية عام 2025.”
بدورها، أكدت كلير مونتيلييه، الباحثة المتخصصة في الاقتصاد العسكري بمعهد “مونتين” الفرنسي لـ”العين الإخبارية” أن الأزمة ليست فقط تقنية بل استراتيجية.
وأضافت: “خسارة روسيا للوصول إلى التكنولوجيا الغربية تُعد ضربة كبيرة. وعلى الرغم من محاولات التكيف، إلا أن صناعة الأسلحة المعقدة – مثل الطائرات المسيّرة وأنظمة التشويش – تتطلب مكونات عالية الجودة غير متاحة اليوم”.
وترى مونتيلييه أن هذا التراجع قد يُضعف قدرة موسكو على مواصلة حرب استنزاف طويلة الأمد: “روسيا الآن تستهلك مواردها دون العثور على مصادر تعويض موثوقة، وهذا سيتجلى تدريجيًا في الميدان العسكري”.
انعكاسات وفرص أوروبية
في المقابل، يعتبر المحللون أن هذا الانهيار الصناعي الروسي يتيح فرصًا للدول الأوروبية لتعزيز صناعاتها الدفاعية من خلال الاستثمار في البدائل التقنية وتوسيع شبكات تصديرها، خصوصًا في أفريقيا وآسيا، حيث كانت روسيا تحظى بنفوذ.
كما أشار كازانوف إلى أن “فرنسا، بصناعاتها الدفاعية وشركاتها الإلكترونية مثل Thales وSafran، تواجه فرصة تاريخية لتعزيز هيمنتها في الأسواق الناشئة التي تبتعد عن الأسلحة الروسية”.
نهاية التفوق التكنولوجي الروسي
بينما يسعى الكرملين للحفاظ على واجهة القوة العسكرية، تشير الأرقام والتحليلات إلى تراجع داخلي مقلق في القدرة على الإنتاج العسكري الحديث.
مع تصاعد الضغوط على سلاسل التوريد، وظهور علامات تدهور في المعدات والتمويل، يبدو أن روسيا أمام خيار صعب: إما البحث عن مخرج دبلوماسي ينهي العزلة، أو الاستمرار في حرب مكلفة تفضح ضعفها أكثر فأكثر.
بينما تتداعى الأسس الصناعية الروسية، يبدو أن أوروبا، وفرنسا على وجه الخصوص، بدأت تلمح نهاية حقبة وتستعد لبداية جديدة من التفوق الصناعي والاستراتيجي.
aXA6IDJhMTM6YWRjMDo6YWYxOmVhZmY6ZmVmNjoyYjUyIA==
جزيرة ام اند امز
EE
تعليقات