
استعرض وزير خارجية إيران، عباس عراقجي، أسلوبه في التفاوض، خاصة في ملف البرنامج النووي الإيراني، الذي قاده لسنوات طويلة مضت ولا يزال مستمراً مع الولايات المتحدة الأمريكية. خلال الأيام القليلة الماضية والمقبلة، يتم تحديد خطوات مستقبلية للتفاوض بين واشنطن وطهران في هذا الملف الحساس.
في كتابه المعنون بـ «قوَّة التفاوض»، الصادر عن دار نشر «اطلاعات» الإيرانية، يتناول التفاوض وأساليبه، مناهجه، أدواته، وفلسفته، فضلاً عن خبراته في قيادة عملية التفاوض في الملف النووي خلال نهاية ولاية الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني.
الكتاب، الذي قامت بترجمته الدكتورة فاطمة محمدي سيجاني، يتألف من مقدمة و6 أبواب متكاملة تناقش طبيعة المفاوضات وأنواع المفاوضات السياسية، القوة الوطنية، مهارات ومراحل عمليات التفاوض السياسية، ومتطلباتها، وسمات المفاوض الناجح.
فيما يتعلق بماهية التفاوض، يقدم الكتاب الإطار المفاهيمي للتفاوض، ويشير إلى أن الأطراف المعنية تقرر البدء في التفاوض عندما تواجه أزمة مشتركة تهددها جميعًا. في تلك الحالة، تبرز أهمية نوع من المفاوضات يُعرف بـ «المساومة»، خاصةً في عملية اتخاذ القرارات بشأن تكلفة الأمور وتقسيم الواجبات، مما يجعل إجراء المفاوضات أمراً ضرورياً لمواجهة التهديد. هنا، يُتناول موضوع «أفضل صفقة» ويُشير إلى عدم وجود صفقة ثابتة.
في باب أنواع المفاوضات السياسية، يُشير إلى أنه يوجد تقسيم حسب الأهداف والشكل والتركيب. ويقول إن هناك أنواعًا مختلفة من المفاوضات التي تتخذ أشكالاً وأساليب ملائمة بناءً على الظروف ونوعية العلاقة بين اللاعبين، والبيئة المحيطة بالنظام العالمي، والقواعد والمؤسسات الدولية، وأسس سلوك اللاعبين وأفعالهم خلال المفاوضات، ويستشهد بمواقف متنوعة أثناء التفاوض النووي مع الدول الكبرى الست.
وفيما يتناول المفاوضات السياسية والقوة الوطنية، يعبر عن رأيه بأنها «فن الدبلوماسية»، ويشير إلى أن تعزيز الدبلوماسية يساعد على تقليل التكاليف، وترسيخ المكتسبات، والانتصار في وقت السلم والحرب. ويقول: «من يربح الحرب ليس بالضرورة من يربح السلام، بل من يربح السلام يحقق النجاح في الحرب أيضًا». كما يؤكد أن «مقومات القوة الوطنية» تحدد نتائج المفاوضات السياسية التي تتم معتمدة على القوة الوطنية، وعلى أساس قواعد المساومة، حيث تُحدد الإمكانات الوطنية لأطراف التفاوض معالم أي اتفاق خلال سير المفاوضات.
وحول أشكال القوة، يرى الوزير الإيراني أنها تتضمن القوة الصلبة، والناعمة، والمعنوية، والقوة الذكية، مشيرًا إلى العناصر الأساسية لتحقيق القوة، مثل الجغرافيا، الموارد البشرية، السكان، القوة العسكرية، التنمية الاقتصادية، العلوم، التقنية، التربية والتعليم، الثقافة، والتاريخ.
أما بالنسبة لمهارات ومراحل المفاوضات السياسية ومتطلباتها، فيؤكد على أن الهدف من المفاوضات ليس إثبات الحق، بل ضمان المصالح. ويجب أن تُقنع الطرف الآخر بالقبول أو القيام بعمل محدد لضمان تلك المصالح. كما أن المفاوضات السياسية تتبع مسارًا يحتوي على مراحل مختلفة، كل مرحلة تتطلب جدولًا زمنيًا محددًا أو مساراً تنفيذياً معينًا، وتنقسم المتطلبات إلى ثلاث مراحل: مرحلة ما قبل التفاوض، مرحلة التفاوض، ومرحلة ما بعد التفاوض.
فيما يتعلق بسمات المفاوض الناجح وسلوكه وأساليبه، يؤكد على أهمية الاستعانة بالدبلوماسيين المحترفين في المفاوضات، خاصة تلك التي تتعلق بقضايا حيوية، ويشدد على ضرورة أن يتمتع الدبلوماسيون المحترفون بخصائص مثل الوطنية، المعرفة العلمية، القيم الأخلاقية، الثقة بالنفس، إدارة المشاعر، وسعة الصدر، ولا يمكن إنكار أهمية فن الإقناع في تشكيل المفاوض الناجح.
في التفاوض الإيراني، يُعرف بمصطلح «مساومة البازار»، والذي يمثل النهج التفاوضي لإيران، ويعني المساومة المستمرة والدؤوبة. خلال هذا الفصل، يستعرض بعض المواقف التي حدثت أثناء مفاوضات الاتفاق النووي مع المفاوضة الأمريكية، ويندي شيرمن، ويتحدث عن قصة بكائها بسبب موقف لعراقجي.
وذكر أن السبب الذي جعل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين يتراجعون عن قرار تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ويجب أن يتقبلوا الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إيران، هو القدرة الدفاعية والعسكرية لطهران، لا سيما قدراتها الصاروخية. وكان السبب الرئيسي وراء دخول الغربيين في المفاوضات مع طهران هو اليأس من تأثير العقوبات الاقتصادية، لافتاً إلى أنه لولا إنجازات العلماء النوويين الإيرانيين، إذ لم يحقق البرنامج النووي الإيراني أي تقدم أو لم يتمكن العلماء من رفع نسبة التخصيب إلى 20% أو أعلى، لبقيت إيران بلا قوة كافية للتفاوض.
ومن الأمور الهامة في مرحلة ما قبل المفاوضات، تحديد الأهداف بناءً على متطلبات الهوية، الدور، المكانة، الأمن، والمصلحة، نظرًا لأن الوحدات السياسية تنظم سلوكها وطرائق خطابها وأعمالها وعملية المقايضة عبر تحديد أهداف واضحة. ومن المهم على المفاوضين أن يكون لديهم معرفة دقيقة بخطوطهم الحمراء والمجالات التي لا يمكن التفاوض بشأنها، مما يستلزم توضيح هذه المجالات قبل الدخول في التفاوض.
وهناك ضرورة لفهم خطوط الطرف الآخر الحمراء، والتمييز بين الخطوط الحمراء الحقيقية والمعلنة، مما يتطلب من الأطراف العمل على بناء الثقة قبل بدء عملية التفاوض. وبناء الثقة لا يحدث بين ليلة وضحاها ولا يمكن تحقيقه وفقًا لرغبة أحد الأطراف، بل يحدث عبر طرق متعددة.
قبل البدء بالمفاوضات متعددة الأطراف، ينبغي مناقشة وتقييم حصة ودور وقوة جميع الدول أو الأطراف المعنية، مما يستوجب استنتاج واضح حول ما يسعى إليه كل طرف من مصالح، والامتيازات التي يكون مستعدًا لتقديمها لأجل مصالحه، والامتيازات التي يحتاج إلى اتفاق مع حلفائه.
وعن وجوه المفاوضين، يشير الوزير الإيراني إلى أنه يجب ألا تُظهر تعبيرات الدبلوماسي أي مشاعر، ولا يجب أن يكون الطرف الآخر قادرًا على إدراك أي شعور، فيجب أن يكون وجه الدبلوماسي المخضرم محصنًا ضد جميع المشاعر مثل الخوف أو التوتر أو السعادة. وعلاقات الشخصية مع الأطراف الأخرى قد تكون مفيدة للغاية، حيث تعتبر الفرص المتاحة قبل وأثناء المفاوضات، مثل الضيافات غير الرسمية وأوقات الاستراحة، مناسبة لخلق نوع من العلاقات الإيجابية.
ويصف علاقته بزملائه، خاصة مع الدكتور تخت روانتشي، أثناء المفاوضات النووية بأنهما كانا مثل المهاجمين في فريق كرة القدم، حيث كانا يمرران الكرة بين بعضهما البعض دون حاجة إلى كلام. فيقول: عندما كنت أصمت، كان يعرف أنه يجب أن يتدخل.
وعن المفاوضات النووية السابقة، يستفيد المفاوض الإيراني من متابعة تصريحات المسؤولين في وسائل الإعلام، والجلسات البرلمانية، والخطاب العابر، واستخدامها كأداة في المفاوضات. كما أن انتقاء المفردات المناسبة أثناء صياغة النصوص يعد مهارة تفاوضية بحد ذاتها، حيث يمكن لتكوين الجمل والتعبيرات أن يدفع عجلة التفاوض نحو الأمام أو يعيقها.
وفيما يتعلق بشخصية الدبلوماسي المفاوض، يوضح: يجب على الدبلوماسيين ألا يظهروا الغضب أثناء المفاوضات، إلا إذا كان الغضب جزءًا من استراتيجيتهم التفاوضية، ولا ينبغي لهم أن يغضبوا إلا إذا قرروا ذلك بأنفسهم.
يؤكد الوزير الإيراني على فكرة «الفصال» والمساومة، وهي واحدة من الذكريات الجميلة التي تحملها من طفولته، حيث تشدد والدته على مهارة المساومة. ويذكر إنه يتذكر عندما كان في السابعة أو الثامنة من عمره، عندما سألت والدته عن السعر الذي يقوله صاحب المتجر، وكان جوابها: أقول له أعطني سلعتين بنفس السعر! وقد أثار هذا الأمر انبهاره في طفولته.
وعن موقف بكاء المفاوضة الأمريكية، يشير إلى أهمية كلمة «لكن»، حيث قدمت شيرمن توضيحات كثيرة حول إحدى النقاط الثانوية المتبقية، ثم قالت له: «هل توافق؟»، فأجاب: «نعم، لكن هناك نقطة صغيرة». وهذا قد أدّى بها إلى الانهيار ودفعها للبكاء. وكان جوابها عن ذلك أن الموضوع هو العراقيل المستمرة في المفاوضات.
في كتابه عن التفاوض، يؤكد عراقجي أن الثقافة السياسية الإيرانية تلتزم بمبدأ الوفاء بالوعود، وهو أمر مأخوذ كمسلمة، ولا يوجد ما يدل في التاريخ المعاصر على أن إيران قد انتهكت أو نقضت الاتفاقيات أو المعاهدات التي وقعت عليها، كما جاء في كتاب «قوة التفاوض».
قد يهمك أيضاً :-
- الأهلي يبدأ تدريباته الأولى في جنوب إفريقيا اليوم تحضيراً لمواجهة صن داونز
- زيادة سعر الذهب اليوم الأربعاء 16 أبريل 2025.. وعيار 21 يبلغ 4640 جنيها
- في ذكرى ميلاد إيفا.. من هي نجمة "عنتر شايل سيفه"؟
- منحة بقيمة 1000 ريال سعودي ستُقدم لهذه الفئات مع رواتب شهر أبريل 2025.. وزارة المالية السعودية تؤكد!
- غاق يطلق 12 فرعًا لسلسلتين متخصصتين في بيع الألبان والحلويات في مختلف مناطق الجيزة (تفاصيل)
تعليقات