استراتيجية “ألم مؤقت.. فوائد مستدامة”.. رؤية غير صحيحة بدعم من ترامب

استراتيجية “ألم مؤقت.. فوائد مستدامة”.. رؤية غير صحيحة بدعم من ترامب

تم تحديثه الأربعاء 2025/4/16 01:01 ص بتوقيت أبوظبي

لطالما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بارعاً في تقليل حدة الأزمات الاقتصادية، مستخدمًا تعبيرات غير محددة.

عندما شهدت الأسواق المالية مؤخرًا تراجعًا مع انخفاض الأسهم والسندات معًا، وصف ترامب الوضع بأنه مجرد “توتر طفيف” لدى المستثمرين.

وبحسب تقرير لمجلة “الإيكونوميست”، بعد تعليق بعض التعريفات الجمركية مؤقتًا لمدة 90 يومًا، وصف الاضطرابات بأنها “تكلفة انتقالية” في سبيل إعادة بناء الاقتصاد الأمريكي بشكل مزدهر، وطمأن بأنه “في النهاية، سيكون الأمر شيئًا جميلاً”.

ورسالة ترامب واضحة: المعاناة الحالية ستؤدي إلى مكاسب مستقبلية، لكن الأحداث الأخيرة تثير تساؤلات حول مدى صحة هذا الطرح. فهل الألم الاقتصادي الحالي أعمق مما يُظهر؟ وهل ستجلب السياسات التجارية الموعودة المكاسب الطويلة الأمد؟

مؤشرات هامة

بدأت آثار السياسة الجمركية لترامب تظهر بوضوح، حيث يوجد تباين متزايد بين المؤشرات التي تقيس الشعور العام وتلك التي تعكس الواقع الاقتصادي. على سبيل المثال، انخفض مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميشيغان في أبريل/نيسان إلى 50.8 نقطة، وهو الأدنى في تاريخه. السبب الرئيسي وراء ذلك هو القلق من ارتفاع الأسعار بسبب الرسوم الجمركية، حيث يتوقع المستهلكون أن تصل نسبة التضخم إلى 6.7% خلال العام المقبل، وهي أعلى نسبة متوقعة منذ أكثر من 40 عامًا.

أما الشركات، التي رحبت في البداية ببرنامج ترامب الاقتصادي الذي يدعم النمو من خلال خفض الضرائب وتخفيف اللوائح، فقد بدأت في إعادة حساباتها. فقد تراجع مؤشر تفاؤل الشركات الصغيرة، الصادر عن الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة، لثلاثة أشهر متتالية بسبب المخاوف المتزايدة بشأن الرسوم الجمركية.

وربما يرى البعض هذه المؤشرات مجرد “أجواء” لا تعكس الحقيقة، خاصة أن سوق العمل لا يزال قويًا وإنفاق المستهلكين عبر بطاقات الائتمان يبدو متينًا. لكن التفاصيل تشير إلى صورة أقل تفاؤلاً؛ حيث يبدو أن المستهلكين يسارعون لشراء الإلكترونيات والسيارات الآن قبل ارتفاع أسعارها نتيجة الرسوم. ورغم أن بيانات التوظيف الرسمية تصدر متأخرة، فإن المؤشرات الخاصة تشير إلى احتمال زيادة في عمليات التسريح من العمل.

عدم يقين متزايد

أبرز سمات الوضع الاقتصادي الحالي هي حالة عدم اليقين المتزايدة. ففي 9 أبريل/نيسان، عندما دخلت تعريفات ترامب “المتبادلة” حيز التنفيذ، قدرت مؤسسة غولدمان ساكس احتمال دخول الاقتصاد الأمريكي في ركود خلال 12 شهرًا بنسبة 65%، وهو رقم مقلق من بنك بحجمها.

 وبعد إعلان ترامب عن تعليق الرسوم لمدة 90 يومًا، خفضت المؤسسة نفسها توقعاتها إلى 45%. هذا التقلب يلخص الواقع: مستقبل الاقتصاد الأمريكي أصبح مرهونًا بتقلبات سياسة ترامب الجمركية.

وقبل بضعة أشهر، كان معظم الخبراء الاقتصاديين يتوقعون نموًا بنسبة 2.5% للاقتصاد الأمريكي خلال العام. أما الآن، فالوضع يشبه المراهنات: قد ينمو الاقتصاد، أو يدخل في ركود.

وعلى المدى الطويل، تبدو عواقب توجه ترامب نحو الحمائية التجارية أكثر تشاؤمًا. إذ يعتقد خبراء الاقتصاد أن الرسوم الجمركية تؤدي إلى سوء تخصيص الموارد من خلال حماية صناعات غير فعالة من المنافسة العالمية. دراسة للبنك الدولي نُشرت عام 2022، تناولت بيانات من 151 دولة بين 1963 و2014، وجدت أن زيادة الرسوم بمقدار أربع نقاط مئوية تؤدي في المتوسط إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4% بعد خمس سنوات، ويرجع السبب بشكل رئيسي إلى تراجع إنتاجية العمل بنسبة تقارب 1%.

تأثيرات ممتدة

لكن الرسوم التي فرضها ترامب تتجاوز بكثير ما تناولته تلك الدراسات. فرغم إعفاء بعض الأجهزة الإلكترونية، ارتفع متوسط الرسوم الفعلية في أمريكا من 2.5% إلى أكثر من 20% هذا العام، أي حوالي ثمانية أضعاف الزيادة المذكورة في الدراسة.

إلى جانب التأثير على التجارة، تؤثر الرسوم أيضًا على تدفق رؤوس الأموال. فمع انخفاض الواردات، تتقلص الاستثمارات الأجنبية. وقد قفزت عوائد السندات الأمريكية لأجل عشر سنوات بمقدار نصف نقطة مئوية منذ بداية أبريل، مما يشير إلى تراجع الطلب الخارجي. في المستقبل، قد يضطر الأمريكيون لشراء المزيد من ديون الحكومة، مما يقلل من الاستثمارات في القطاع الخاص.

وقد قدر مركز أبحاث تابع لجامعة بنسلفانيا، وهو مركز مرموق، أن السياسات الجمركية الحالية قد تؤدي على مدار الثلاثين عامًا المقبلة إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8%، وانخفاض الأجور بنسبة 7% مقارنة بالمسار الذي كان متوقعًا قبل فرض الرسوم. كما يُتوقع أن ينخفض إجمالي رأس المال في البلاد بأكثر من 10%، مما يعني بنية تحتية أكثر تهالكًا، ومصانع أقل حداثة، ومطارات أقدم — خلافًا لما يعد به ترامب من تجديد اقتصادي.

وبطبيعة الحال، فإن سياسات ترامب المتقلبة تجعل من الصعب على الاقتصاديين، وكذلك الشركات والمستهلكين، التخطيط بشكل واضح.

لكن الأرجح أن الأمور ستسوء هذا العام، وقد تتدهور أكثر في السنوات القادمة. فمقامرة ترامب على الرسوم الجمركية قد لا تؤدي إلى نهضة اقتصادية، بل إلى تباطؤ يتخفى وراء خطاب سياسي متفائل.

aXA6IDJhMTM6YWRjMDo6YWYxOmVhZmY6ZmVmNjoyYjUyIA== جزيرة ام اند امز EE

قد يهمك أيضاً :-