
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلًا جديدًا بعنوان «التعدين في قاع البحار.. مورد استراتيجي جديد»، تناول فيه الأهمية الاستراتيجية لقاع البحار، وكذلك جهود الدول لتوسيع نفوذها داخله، بالإضافة إلى المخاطر البيئية المرتبطة بالتعدين البحري. وقد أشار إلى أن هذا النوع من التعدين أصبح مصدرًا جديدًا للحصول على الموارد، ويهدف إلى استخراج الرواسب المعدنية القيمة الموجودة في قاع البحار، على عمق مئات أو حتى آلاف الأمتار تحت سطح الماء. إلى جانب الحياة البحرية في هذه الأعماق، هناك احتياطيات كبيرة من النحاس والكوبالت والنيكل والزنك والفضة والذهب والعناصر الأرضية النادرة، وهي مواد ضرورية لبناء مكونات طاقة خالية من الكربون.
كما أشار المركز إلى أن قاع البحر يحتوي على ثلاثة أنواع رئيسية من الرواسب المعدنية، هي: قشور المنغنيز الغنية بالكوبالت، والكبريتيدات متعددة المعادن، والعُقيدات متعددة المعادن (وهي كريات تحتوي على معادن نادرة يمثل المنغنيز النسبة الكبرى فيها). وفي هذا السياق، نشرت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) معلومات تثبت أن كمية العُقيدات متعددة المعادن في المياه الدولية قد تصل إلى تريليونين طن، ويعتبر المنغنيز من أكثر العناصر وفرة في قاع البحار بكمية تصل إلى 227 مليار طن، يليه الحديد بكمية تبلغ 219 مليار طن، ثم المغنيسيوم بنحو 16.9 مليار طن.
في هذا الإطار، لم يعد التنافس الجيوسياسي العالمي مقصورًا على الموارد التقليدية كالنفط والغاز الطبيعي فقط، بل أصبحت المعادن النادرة والرواسب المعدنية في قاع البحار مسرحًا جديدًا للتنافس بين القوى الدولية المختلفة نظرًا لأهميتها في صناعات البناء، والإلكترونيات، والسيارات الكهربائية، ومعدات الطاقة المتجددة، والبطاريات، والأسلحة العسكرية، وغيرها من الصناعات.
هذا وتعتبر تلك المعادن ذات أهمية محورية في سياق سياسات مواجهة تغير المناخ والتحول نحو الطاقة النظيفة، نظرًا لدخولها في التقنيات منخفضة الكربون، مثل: الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، وبطاريات السيارات الكهربائية أو خلايا وقود الهيدروجين. ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، من المتوقع أن يرتفع استهلاك هذه المعادن بشكل كبير بحلول عام 2040، حيث تعتبر المعادن حيوية لجميع القطاعات الاقتصادية، مدفوعة بالتوجه العالمي نحو إزالة الكربون. وفي هذا السياق، تحظى الرواسب المعدنية البحرية باهتمام مختلف الدول والشركات.
على صعيد آخر، تتم إدارة منطقة قاع البحار من قِبل السلطة الدولية لقاع البحار، وهي كيان تابع للأمم المتحدة، تم إنشاؤه بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1994. وتتمتع السلطة الدولية لقاع البحار بالتفويض الحصري لتنظيم ومراقبة الأنشطة في منطقة قاع البحار، وكذلك شؤون استكشاف وتعدين المعادن البحرية بشكل عام لصالح البشرية، من أجل إنشاء إطار قانوني شامل لتنظيم استخدام مياه البحار والمحيطات على مستوى العالم، وضمان حماية الموارد البيئية والبحرية، فضلًا عن تحقيق استفادة عادلة من هذه الموارد. كما يتناول هذا الإطار القضايا المتعلقة بسيادة الدول على البحار والمحيطات، وحق الانتفاع في المناطق البحرية، بالإضافة إلى الحقوق المرتبطة بالملاحة.
وأوضح التحليل أنه على الرغم من عدم ممارسة التعدين في قاع البحار بشكل تجاري حتى الآن، إلا أن العديد من الحكومات الوطنية وشركات التعدين تخطط للبدء في هذا المجال في أقرب وقت ممكن، وقد يكون ذلك في غضون السنوات القليلة المقبلة. وما زال الأمر يعتمد على السلطة الدولية لقاع البحار (ISA) وكيفية تنظيمها لعمليات التعدين في قاع البحار. ومن جهة أخرى، يمكن للدول أن تتقدم بمشروعات التعدين في قاع البحار ضمن مياهها التي تخضع لسيطرتها المحلية، والمعروفة باسم «المناطق الاقتصادية الخالصة».
وأشار التحليل إلى أن الدول الكبرى تتجه للاستثمار بشكل كبير في البحث عن المعادن في قاع البحار، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى اغتنام الفرص للمشاركة في وضع قواعد التعدين في قاع البحار واعتمادها من قِبل السلطة الدولية لقاع البحار (ISA)، بالإضافة إلى عقد الشراكات مع الدول الحليفة في السلطة الدولية لقاع البحار (ISA) لتعزيز المصالح المشتركة، واستكشاف الفرص المشتركة للشركات الأمريكية والحلفاء للمشاركة في التعدين المنظم في قاع البحار.
ضمن جهود الولايات المتحدة الأمريكية لزيادة إمداداتها من المعادن، قرر الكونغرس الأمريكي في مايو الماضي تخصيص 2 مليون دولار لتمويل دراسة حول التعدين في قاع البحار، كما طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بضم حوالي مليون كيلومتر مربع إلى الجرف القاري التابع لها في بحر بيرنغ والمحيطين الأطلسي والهادئ وخليج المكسيك.
من جهة أخرى، وضعت الحكومة الصينية هدف «التعدين في قاع البحار» كأولوية أمنية واقتصادية ضمن استراتيجيتها الشاملة للسيطرة على سلاسل توريد المعادن بمختلف أنواعها، وأصبحت من الدول الرائدة في مجال التعدين في قاع البحار، من خلال توسيع مبادرة الحزام والطريق إلى المحيط الهادئ، وإقامة شراكات استراتيجية ذات صلة، للوصول إلى الموارد وكسب تأييد دول جزر المحيط الهادئ.
أفاد التحليل بأن الصين تمتلك خمسة تراخيص لاستكشاف قاع البحار في المياه الدولية من أصل 30 ترخيصًا قامت بإصدارها السلطة الدولية لقاع البحار (ISA) حتى أوائل عام 2024، وذلك استعدادًا لبدء عمليات التعدين في قاع البحار بحلول عام 2025. وبالتالي، فإن الصين لديها حق استكشاف ما يقرب من 92 ألف ميل مربع من المياه الدولية، وهو ما يعادل 17٪ من إجمالي المساحة المصرح بها حاليًا من قِبل الهيئة الدولية لقاع البحار. ومع زيادة نفوذها، تقوم الصين بصياغة اللوائح الدولية للتعدين في قاع البحار، وتأمين الهيمنة على الوصول إلى المعادن اللازمة لتقنيات الطاقة الخضراء وأنظمة الدفاع، والسيطرة على الطرق البحرية الاستراتيجية، مع احتمال إنشاء كيان عسكري في المنطقة.
وأشار التحليل إلى أن مؤيدي التعدين في قاع البحار يعتقدون أن هذه العمليات يمكن أن تساعد في تلبية الاحتياجات العالمية المُلِحّة إلى المعادن الحيوية، التي من المرجح أن تستمر في النمو مع توسع الدول في جهود إزالة الكربون. وتشير التقديرات إلى أن الطلب العالمي على بعض هذه المعادن قد يرتفع بنسبة تصل من 400٪ إلى 600٪ في العقود المقبلة، مع زيادة اعتماد العالم على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمركبات الكهربائية والبطاريات وغيرها من التقنيات الخالية من الكربون.
بينما يوفر التعدين فوائد اقتصادية كبيرة، فإنه يتضمن مجموعة من التحديات والمخاطر البيئية التي تهدد النظام البيئي. ويستمر العلماء في التحذير من المخاوف الجدية بشأن التأثيرات المحتملة للتعدين البحري، بما في ذلك فقدان الأحياء البحرية ما يهدد التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى فقدان بنية النظام البيئي ووظيفته. ومن المرجح أن يكون الضرر الذي يلحق بالنظام البيئي في قاع البحار طويل الأمد.
وليس قاع البحر فقط هو المعرض للخطر، حيث يمكن أن تنتشر النفايات من سفن التعدين على مسافات كبيرة، وربما تصل إلى كيلومترات من المناطق التي يتم التعدين فيها، مما يشكل تهديدًا للأسماك واللافقاريات في المحيطات المفتوحة، والتي تعتبر بالغة الأهمية لمصايد الأسماك الدولية.
إلى جانب ذلك، يواجه التعدين في قاع البحار مجموعة من التحديات الرئيسية، أبرزها كونه عملية معقدة ومكلفة من الناحية الفنية، حيث تتراوح تكلفة مركبات الاستخراج ما بين 1 و5 ملايين دولار. علاوة على ذلك، تقع معظم موارد التعدين خارج حدود سيادة الدول.
اختتم التحليل بالتوضيح أنه على الرغم من التنافس على الموارد المعدنية في أعماق البحار، فإن هذا يعكس أهمية هذه الموارد في سياق التحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الحديثة. ومع تزايد الحاجة إلى المعادن النادرة، أصبح من الضروري تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية لضمان استغلال هذه الموارد بشكل مستدام وعادل.
ومع ذلك، فإن استغلال هذه الموارد يحمل في طياته مخاطر بيئية كبيرة تهدد التنوع البيولوجي والنظام البيئي البحري، مما يستدعي أخذ تلك المخاطر بعين الاعتبار لضمان حماية التنوع البيولوجي في النظام البيئي البحري. لذلك، فإن تأسيس إطار قانوني محكم لتنظيم عمليات التعدين في قاع البحار سيكون خطوة حاسمة نحو تحقيق التوازن بين الاستفادة الاقتصادية وحماية البيئة البحرية.
قد يهمك أيضاً :-
- قبل مباراة صن داونز.. محمد الشناوي يفاجئ الخطيب بقراره النهائي بشأن مستقبله - عاجل
- التحديث الأخير لسعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 19 أبريل 2025
- بعد فقدان سليمان عيد.. طه دسوقي يرسل رسالة تحمل مشاعر عميقة
- إطلاق تردد قناة ميكي كيدز 2025: كرتون يغير قواعد اللعبة بألوان ساحرة!
- رسميًا بعد قرار البنك المركزي: سعر الدولار مقابل الجنيه بوابة مولانا السبت، 19 أبريل 2025
تعليقات