
في مساء السابع والعشرين من ديسمبر، ساد الهدوء المتوتر مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة. فيما كانت أصوات القصف تقترب، كان الدكتور مدير المستشفى مصرًا على البقاء، رافضًا ترك المصابين لمصيرهم، مختارًا أن يكون آخر من يغادر المستشفى إذا لزم الأمر. كان متمسكًا بواجبه كطبيب أطفال تجاه المئات الذين احتموا بجدران المستشفى، لكن هذا القرار البطولي أدى إلى تبعات غيّرت مجرى حياته.
من غرفة العمليات إلى زنزانة مظلمة
اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، بدعوى أنه مركز إيواء لعناصر حركة حماس، لتعتقل العشرات من العاملين في القطاع الطبي، من بينهم الدكتور حسام أبوصفية، الذي أصبح سريعًا أحد أبرز وجوه المقاومة المطلوبة في غزة.
نُقل أبوصفية، البالغ من العمر 52 عامًا، إلى معسكر «سديه تيمان» الذي تحول إلى مركز احتجاز للفلسطينيين بعد حرب السابع من أكتوبر 2023. بدأ هناك أول فصول ما تصفه محاميته غيد قاسم بـ«رحلة العذاب»، حيث خضع لأربع جولات تحقيق على مدار أسبوعين، امتدت كل واحدة منها بين 7 و8 ساعات، وسط ظروف قاسية وشتى أنواع الضرب والتنكيل.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد تم نقله لاحقًا إلى سجن «عوفر» بالقرب من رام الله المحتلة، حيث قضى 25 يومًا في زنزانة لا تزيد مساحتها عن مترين، وخضع لتحقيق استمر 13 يومًا متواصلًا، وفقًا لما ذكرته وكالة «وفا» عن محاميته.
وعلى الرغم من مرور أشهر على اعتقاله، ما زالت سلطات الاحتلال ترفض الكشف عن التهم الموجهة إليه، محتفظةً بملفه «سريًا». والأسوأ من ذلك، أنه صُنّف كمقاتل «غير شرعي»، ما يعني أنه محتجز لفترة غير محددة دون محاكمة، دون إطلاع محاميه على الأدلة، إن وُجدت.
وأضافت غيد قاسم أن سلطات الاحتلال تسعى لإجباره على الاعتراف بأنه أجرى عمليات جراحية لعناصر من حماس أو مختطفين إسرائيليين، لكنه يرفض ذلك تمامًا، ويؤكد: «أنا طبيب أطفال، كل ما فعلته هو الوقوف بجانب المرضى والجرحى».
ومن داخل سجن عوفر، يبدو أن أبوصفية لن يخرج من رحلة التحقيقات كما دخلها، فقد خسر أكثر من 20 كيلوجرامًا من وزنه، وأُصيب بكسور في 4 أضلاع لم تُعالج حتى اليوم، بالإضافة إلى مشاكل في القلب والعين وضغط الدم، كما تقول محاميته غيد قاسم.
وبالرغم من كل ما يمر به، لا يزال الطبيب الفلسطيني يحتفظ بهدوئه، لكنه يطرح سؤالًا بسيطًا ومؤلمًا في الوقت نفسه: «ما الجرم الذي ارتكبته لأُعامل بهذه الوحشية؟».
حملة تضامن وصوت يرتفع بالحرية
وصل صدى معاناة الدكتور حسام أبوصفية إلى العالم، ومع تصاعد القلق الحقوقي حول أوضاع المعتقلين الفلسطينيين، أطلقت منظمة العفو الدولية نداءً للإفراج عنه، مشيرة إلى شهادات جمعتها عن «تعذيب وسوء معاملة ممنهجين» داخل السجون الإسرائيلية.
وطالب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، في منشور عبر «إكس»، بالإفراج الفوري عن الطبيب الفلسطيني، منضمًا إلى حملة دولية استخدمت وسمَي: #الحرية_للدكتور_حسام_أبو_صفية #إنهاء_الإبادة_الجماعية_بغزة.
قانون «المقاتل غير الشرعي».. أداة صامتة للقمع
يُذكر أن أبوصفية محتجز بموجب قانون «المقاتل غير الشرعي»، الذي أُقِرّ في عام 2002، والذي يسمح باعتقال أي شخص يُصنّف عدوًا لأجل غير مسمى دون تهم محددة أو محاكمة.
وقد تعرض هذا القانون لانتقادات حادة من منظمات حقوقية محلية ودولية، التي اعتبرته «غطاءً قانونيًا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان».
«الزمن يمر.. والظلم لا يزال قائمًا»، هكذا لخص مدير مستشفى كمال عدوان، قبل أن تدمره آلة القمع، الوضع الراهن على الشعب الفلسطيني. وهذا يتسق مع موقف الاحتلال الذي لم يُجب حتى الآن عن تساؤلات الصحفيين، ولا حتى عن طلب وكالة «فرانس برس» بالتعليق على وضع الطبيب المعتقل.
تحت غمامة هذا الصمت، يبقى الدكتور حسام أبوصفية، مثل العديد من الآلاف من المعتقلين، يواجه مصيرًا غامضًا داخل الزنازين، محاطًا بالتنكيل، مهددًا بتهم بلا أدلة وأسئلة لا تجد إجابة، داخل حلقة من الظلام لا تنكسر.
قد يهمك أيضاً :-
- العارضة تعاند الأهلي.. تعادل بدون أهداف بين الأهلي وصن داونز في الشوط الأول
- رؤساء "إيجاس" و"بتروبل" يشاركون في ورشة عمل شاملة بمقر "إيني" لمتابعة مستجدات حقل ظهر
- بمناسبة عيد الفصح، دوللي شاهين تطلق أغنية جديدة اليوم
- سفينتان حربيتان يابانيتان ترسو في قاعدة كمبودية تم تجديدها بواسطة الصين.
- انطلق في مغامرة جديدة! تعرف على تردد قناة توم آند جيري على CN ARABIC لجعل أوقات الصغار مليئة بالمتعة
تعليقات