تشاد: تفاهم تاريخي في “تيبستي” حول استثمار الموارد المعدنية

تشاد: تفاهم تاريخي في “تيبستي” حول استثمار الموارد المعدنية

قال خبراء اقتصاد إن الاتفاق الجديد المبرم في منطقة تيبستي شمال تشاد لا يمثل نهاية لأزمة استمرت سبع سنوات فحسب، بل يُعتبر نقطة انطلاق لعلاقة الدولة بثرواتها.

وأشار الخبراء إلى أن هذا الاتفاق يمثل فرصة استثنائية لوضع مبادئ جديدة للعدالة الاقتصادية في بلد عانى طويلاً من الفوضى والفساد في قطاع التعدين.

في قلب سلسلة جبال تيبستي الوعرة، حيث تداخل الذهب مع الصراعات لعقود، تم توقيع اتفاق وصفه المراقبون بالتاريخي في مدينة بَرداي. إنه ليس مجرد اتفاق محلي لإنهاء صراع استمر سبع سنوات بين الحكومة التشادية وسكان منطقة ميسكي، بل هو خطوة استراتيجية تعيد تشكيل مشهد استغلال الثروات في بلد يمتلك موارد غنية لكنه يعاني من قلة العدالة الاقتصادية.

بعد سنوات من العنف والاتهامات المتبادلة بشأن السيطرة على مناجم الذهب في شمال البلاد، أعلنت الحكومة التشادية ولجنة الدفاع الذاتي في ميسكي، يوم الأحد 20 أبريل 2025، توصلهم إلى اتفاق شامل يهدف إلى إنهاء حالة التوتر المستمرة منذ عام 2018، المتعلقة بحقوق استغلال الثروات المعدنية في منطقة تيبستي.

إلغاء تراخيص التعدين… وعفو شامل

بموجب الاتفاق الجديد، تم الإعلان عن عفو عام يشمل جميع عناصر اللجنة المسلحة وأيضًا قوات الأمن التشادية التي شاركت في المواجهات خلال عامي 2019 و2020. ومن الناحية الاقتصادية، فإن القرار الملحوظ هو إلغاء كافة تراخيص استغلال المناجم في منطقة ميسكي والمناطق المحيطة بها، مع تعليق عمليات التعدين مؤقتًا في انتظار نتائج دراسات جغرافية ومعدنية ستُجرى خلال الأشهر الستة المقبلة.

من جانبه، صرح جميت شاحا، رئيس لجنة الدفاع الذاتي في ميسكي، لمحطة “إرإف.إي” الفرنسية: “لسنا عصابات كما يشاع. حركتنا كانت مدروسة بعناية، وقد أظهر الاتفاق الجديد أن هناك نية سياسية حقيقية لدى الحكومة للحوار. حان وقت العودة إلى مائدة المفاوضات”.

وساطة محلية تُثمر بعد سنوات من الفشل

عُقدت الاجتماعات الأخيرة في بَرداي، عاصمة إقليم تيبستي، برعاية شخصيات تشادية بارزة، مثل الوزير السابق عدوم يونسمي، وبتوقيع رسمي من قبل وسيط الجمهورية صالح كبزابو، الذي أكد على الطابع الملزم لهذا الاتفاق لكلا الطرفين.

بدوره، قال صالح كبزابو، ممثل الحكومة، في تصريحات لوسائل الإعلام: “هذه الوثيقة تُلزمنا جميعًا. يجب أن يتم تطبيق الاتفاق على الأرض لاستعادة الثقة بين الدولة وسكان الشمال”.

من ناحيته، علق الخبير الاقتصادي أمين كونيه، أستاذ الاقتصاد في جامعة نجامينا، على “العين الإخبارية” قائلاً إن “اتفاق ميسكي يعد فرصة لتصحيح الخلل البنيوي في توزيع الثروة”، مشيرًا إلى أن الاتفاق يمثل تحولاً نادرًا في نهج الدولة التشادية تجاه العدالة الاقتصادية.

كما أضاف “لسنوات، كان الذهب يُستخرج من الشمال ويُصدر عبر قنوات غير شفافة، بينما تعاني ميسكي من التهميش. اليوم، يفرض الاتفاق تعليقًا رسميًا للتراخيص حتى إجراء الدراسات، مما يعني إدخال عناصر التخطيط والتنظيم في قطاع غالبًا ما عانى من الفوضى”.

أكد كونيه أن نجاح الاتفاق يعتمد على آلية إعادة توزيع العائدات في المستقبل، بحيث تُخصص نسبة فعلية لتنمية البنى التحتية في ميسكي، بدلاً من أن تصبح المنطقة مجرد “ممر خامات” نحو الجنوب أو الخارج.

أما ليديا تمباكو، الخبيرة في اقتصاد الموارد الطبيعية في معهد السياسة الإفريقية بباريس، فقالت لـ”العين الإخبارية” إن الذهب التشادي لم يكن نعمة حتى الآن، بل لعنة، مشيرة إلى أن تيبستي تمثل نموذجًا كلاسيكيًا لـ”لعنة الموارد”، حيث تتحول الثروات إلى مصدر للنزاع بدلاً من التنمية.

أضافت أنه “منذ اكتشاف الذهب في تيبستي، لم تُبنى مدرسة أو مستشفى واحد بموجب تلك العائدات. كل ما جلبه الذهب هو النزاع بين الدولة والجماعات المحلية، وزيادة النشاط غير القانوني من قبل شبكات خارجية تستغل الفوضى”.

ترى تمباكو أن الاتفاق الأخير، رغم رمزيته، يجب أن يتبعه إنشاء هيئة مستقلة متعددة الأطراف (حكومية، مجتمعية، وخبراء دوليين) للإشراف على عمليات التعدين المستقبلية وتحديد نسب الأرباح لصالح السكان المحليين.

إلى أين تتجه تشاد بعد الاتفاق؟

وفقًا للخبيرة الاقتصادية الفرنسية، يبدو أن الحكومة التشادية، بقيادة الرئيس محمد إدريس ديبي، تسعى من خلال هذا الاتفاق إلى تهدئة الجبهة الشمالية تمهيدًا للانتخابات التشريعية المقبلة، وإعادة هيكلة قطاع التعدين، لاسيما عقب الضغوط الدولية بشأن الشفافية، فضلاً عن استعادة الثقة مع سكان الشمال الذين يعتبرون أن الدولة تهمشهم.

اعتبرت أن الاتفاق الذي تم توقيعه في تيبستي ليس مجرد نهاية نزاع، بل هو اختبار حقيقي لقدرة الدولة على إصلاح العلاقة بين الثروة والسلطة في بلد غني بالذهب واليورانيوم وفقير بالمساواة. موضحة أنه إذا صمد هذا الاتفاق، فقد يصبح نموذجًا يُحتذى به في دول أفريقية أخرى لا يزال الصراع على الموارد واحدًا من أسباب الاضطراب السياسي.

قد يهمك أيضاً :-